forked from OpenITI/barzakh
-
Notifications
You must be signed in to change notification settings - Fork 0
/
Copy path0335Suli.MaLamYunshar.EScript221025-ara1
3607 lines (3464 loc) · 458 KB
/
0335Suli.MaLamYunshar.EScript221025-ara1
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604
605
606
607
608
609
610
611
612
613
614
615
616
617
618
619
620
621
622
623
624
625
626
627
628
629
630
631
632
633
634
635
636
637
638
639
640
641
642
643
644
645
646
647
648
649
650
651
652
653
654
655
656
657
658
659
660
661
662
663
664
665
666
667
668
669
670
671
672
673
674
675
676
677
678
679
680
681
682
683
684
685
686
687
688
689
690
691
692
693
694
695
696
697
698
699
700
701
702
703
704
705
706
707
708
709
710
711
712
713
714
715
716
717
718
719
720
721
722
723
724
725
726
727
728
729
730
731
732
733
734
735
736
737
738
739
740
741
742
743
744
745
746
747
748
749
750
751
752
753
754
755
756
757
758
759
760
761
762
763
764
765
766
767
768
769
770
771
772
773
774
775
776
777
778
779
780
781
782
783
784
785
786
787
788
789
790
791
792
793
794
795
796
797
798
799
800
801
802
803
804
805
806
807
808
809
810
811
812
813
814
815
816
817
818
819
820
821
822
823
824
825
826
827
828
829
830
831
832
833
834
835
836
837
838
839
840
841
842
843
844
845
846
847
848
849
850
851
852
853
854
855
856
857
858
859
860
861
862
863
864
865
866
867
868
869
870
871
872
873
874
875
876
877
878
879
880
881
882
883
884
885
886
887
888
889
890
891
892
893
894
895
896
897
898
899
900
901
902
903
904
905
906
907
908
909
910
911
912
913
914
915
916
917
918
919
920
921
922
923
924
925
926
927
928
929
930
931
932
933
934
935
936
937
938
939
940
941
942
943
944
945
946
947
948
949
950
951
952
953
954
955
956
957
958
959
960
961
962
963
964
965
966
967
968
969
970
971
972
973
974
975
976
977
978
979
980
981
982
983
984
985
986
987
988
989
990
991
992
993
994
995
996
997
998
999
1000
######OpenITI#
#META#Header#End#
# [وكان المكتفي علىّ بن أحمد يشكو علة في جوفه، وفساداً في أحشائه، فاشتدت العلّة
~~به فی شعبان من هذا العام، وأَخَذَهُ ذرب (١) شديد أفرط عليه، وأزال عقله، حتى أخذ صافي
~~الحرمي خاتمهُ من يده، وأنفذه إلى وزيره العباس بن الحسن وهو لا يعقل شيئاً من ذلك وكان
~~العباس يكره أن يَليِّ الأمر عبد اللّه ين المعتز، ويخافه خوفاً شديداً، فعمل في تصيير الخلافة
~~إلى أبي عبد اللّه محمد بن المعتمد على اللّه، فأحضره داره ليلاً، وأحضر القاضي محمد بن
~~يوسف وحدَّهُ، وكلّمه بحضرته، وقال له : مالي عندك إن سقتُ هذا الأمر إليك؟ فقال له
~~محمد بن المعتمد: لك عندي ما تستحفّه من الجزاء والإيثار وقرب المنزلة فقال له العباس:
~~أريد أن تحلف لى ألاً تُخلّيني] (٢) من إحدى اثنتين إما أردتَ خدمتي فُنّصحتكُ وبلغتُ جهدى
~~في طاعتك كما فعلتُ بغيرك، وإمّا آثرتَ غيري فَوَقَرتَني ولم تبسط عليّ يداً في نفسي ولا مالي
~~ولا أحد بسيّبي . فقال له محمد: لو لم تسُّق هذا الأمر إليِّ ما كان لي مَعْدلٌ عنكَ في كفايتك
~~وجميل أثرك فكيف مع هذا اليد؟ فقال: أريدٌُ أن تحلفَ لي على هذا، فقال له : إنّ لم أفي لك
~~قولاً بغير يمين لم أفٍِ لك باليمين. فقال له القاضي: ارضَّ منه بهذا فإنه أصلح من اليمين،
~~فقال العباس: قد قنعثُ ورضيت، ثمَ قال مُدَّ يدكَُ حتى أبايعك. قال: وما خَبّرُ المكتفى ؟ قال:
~~في آخر أمره وأظنه تلف. قال محمد: ما كان اللّه جلّ اسمه ليراني أَمُّدَّ يدي إلى بيعةٍ وروح
~~المكتفي في جّسّده، ولكن إن ماتَ فأنا أفعل ذلك. قال محمد بن يوسف: الصواب ما قاله.
~~فانصرفوا على ذلك. وأفاقَ المكتفي باللَّه وعَقَلَ أمرَّهُ، وكنا ندخل إليه فنحادثه كل يوم وقد
~~تردّد في [١] العلّة.
~~قال أبو بكر: فحضرتُ في شهر رمضان بعد أمر العباس هذا بأربعين يوما مجلس
~~العباس بن الحسن الوزير، وفيه محمد بن المعتمد يناظر ابن عمرويه صاحب الشرطة في ميراث
~~مولى له ثُوُفّيّ وكان من أصحاب ابن عَمرويه، فأخَذَ ماله ولم يُعط محمداً منه شيئاً، فأغلظ له
~~محمد فرد عليه ابن عمرويه، جعل العباس يقول لابن عمرويه: أتقول مثل هذا لأبي عبد اللّه،
PageV00P021
~~ولا يقدر أن يردَّ عليه حذاراً من أن يحقق عليه ويصح ما تحدّث به الناس لما كان منه. وجعل
~~محمد بن المعتمد يغتاظ وينتفض إلى أن فُلجَ في وقته ذلك وسقط لجنّبه. فأَمّرَّ العباس بأن
~~يُحمل في قَبّةٍ من قبابه على أفره بغاله، فحمل إلى منزله على تلك الصورة، واشتد الأمُّر به حتى
~~يئس منه العباس بن الحسن فصرف الفكر إلى غيره. وتوفي محمد بن المعتمد (١) بعد شهور في
~~أوّل خلافة المقتدر باللّه.
~~قال أبو بكر: ولمّا أفاقَ المكتفي باللَّه [٢ ا] قال له صافي الحُّرمي : إنْ رأى أميرُ المؤمنين
~~أن يُوجَّه إلى عبد اللّه بن المعتز ومحمد بن المعتمد، فيوكل بهما في داره. فقال: ولم ذلك؟
~~قال : لأنّ الناس ذكروهما لهذا الأمر . فقال له المكتفي: أبلغك أنّهما أو أحّدهما أحدَّثَ بيعة
~~علينا؟ قال صافي : لا . قال: فما رأى لهما ذنباً بإرجاف الناس لهما بهذا الأمر وقد وَلَدَّهُما
~~خليفتان فلا تعرض لهما. ووقع هذا الكلام في نفسه فخاف أن يزولَ الأمرُّ عن ولد أبيه، وكان
~~ربّما عرّض لنا بالشيء من ذلك مُسْتَّجرًاً للحديث في معناه. فحدثته أنا عن عَمُرِو بن تركي
~~القاضي قال : حدثنا القحذمي، قال شاور أبو العباس السفاح سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة
~~المخزومي في تصيير العهد بعده لِعَمّه عبد اللّه بن علي دون أخيه المنصور فقال له: يا أمير
~~المؤمنين : أحدّثُكُ حديثاً تستدلَ به على ما تفعله، كنت مع مسلمة بن عبد الملك بالقسطنطينية
~~وقد أتته وفاةً سليمان بن عبد الملك بن مروان وسَعْيُ الناس (٢ ب] بالخلافة لعمر بن
~~عبد العزيز، فجزع جَزَّعاً شديداً لموتِ سليمان فقلتَُ له لا تجزع لموت سليمان، ولكن اجزع
~~لخروج الأمرِ من ولد أبيك إلى وَلَدِ جَدَك. قال فأمسك أبو العباس واعتقد العهدَ لأخيه دون
~~عمّه فأعجب هذا الحديث المكتفي باللّه ووافق ما في نفسه واستعاد فأعَدْتَهُ عليه. وحَدَثْتُّه
~~أيضاً : أن داود بن علي غمُّ المنصور والسفاح قال لأبي العباس السفاح: يا أمير المؤمنين بايع
~~الوليّ عهد من أهل بيتك، ليضبط الأمُرَّ بعدك لئلا ينتشر، فإن أمرنا قريثُ بعدِ. قال أبو سلمة
~~الخلال الذي كان يُدعى وزير آل محمد: هذا أمُرُ يفعل فيه أميرُ المؤمنين ما رأى وما استعجالك
~~أيّامَه كأنّك تطمع فيها، واللّهِ ما لأحَدِ من ولد جَدَّ أمير المؤمنين علي بن عبد اللّه أميل حظ
~~فيها، ما دام من ولد محمد بن علي رجل، قال: فاضطغنها داود عليه فلم يُزَلُ يحتالٌ في أمره
~~حتى قتلّه.
### | [خلافة المقتدر]
~~قال أبو بكر: فوافقت هذه الأحاديث [٣ آ] ما في نفس المكتفي باللّه، وخاف أن يخرجَ
~~الأمرُ عن وَلّد أبيهِ. فلمّا اشتد [ت] (٢) علَّتَهُ في ذي القعدة من سنة خمس وتسعين ومائتين سألَ
PageV00P022
~~عن أخيه أبي الفضل جعفر، فصحّ عنده أنه بالغٌُ، فأحضَرَهُ في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة
~~خلت من ذي القعدة والقضاة وأشهَدَّهم بأنّه قد جَُعَل العهدّ إلى أخيه جعفر بن المعتضد .
~~وتوفى المكتفي باللّه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خَلَت من ذي القعدة بعد صلاة الظهر،
~~ودفن في يوم الاثنين في دار محمد بن عبد اللّه بن طاهر وبويع أبو الفضل جعفر بن المعتضد
~~باللّه، وسمّي المقتدر باللّه يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة في القصر
~~طلمعروف بالحسني وأمُّه أمّ ولد يقال لها: «شغب» كانت لأمّ القاسم بنت محمد بن عبد اللّه بن
~~طاهر فاشتراها المعتضد باللّه منها.
~~وقال أبو بكر : وكان صافي الخادم المعروف بالحرمي، مضى إلى دار ابن طاهر ليلة
~~الأحد لساعتين بقيتا [٣ ب] من الليل فحدره. وكان العباس بن الحسن الوزير فى داره التى على
~~دجلة، وظهرها إلى البستان المعروف بالزاهر، قد فارق صافياً على أن يجىء بالمقتدر باللّه إلى
~~داره حتى إذا دخلها أنحدر العباسُ معه منها ويضمن له صافي ذلك لئلا يقع خلافُ فلمّا حَدَرَهُ
~~وصار حيال دار العباس ، خرج خَدّمُ العباس، فقاموا على الشط ومعهم الشموع، ينتظرون أن
~~يقرب الطيّار إليهم فرأى صافي في ذلك ضعفاً، وخاف حيلةٌ وصاح بالملاً حين فما عرّجوا دون
~~«الحسنىل، فكان هذا ممّا يُعد من حزم صافى وعقله .
~~قال أبو بكر : ولمّا دخل المقتدر باللَّه «الحسني»، ورأى السريرُ منصوباً، أَمَرَ فبسط له
~~حصير صلاة، فصلى أربع ركعات، وما زال يرفع صوته بالدعاء والاستخارة، ثم جلس على
~~السرير، وبايعه الناسُ . وحضر العباس بن الحسن الوزير وابنه أحمد بن العباس، ودار الأمر
~~على [يدي] (۱) صافي الحرمي وفاتك المعتضدي ، [٤ آ] وخلع المقتدر على الوزير أبي أحمد
~~العباس بن الحسن في يوم الاثنين خلعاً مشهورة الحسن، وقلده كتابته وأمر بتكنيته، وأمره أن
~~تجرى الأمور مجراها. وقلّد ابنّه أحمد العَرضُْ عليه، وكتابة أخويه هارون ومحمد، وكتابة
~~السيدة. وأطلق العباسعُ مالّ البيعة، وأعطى الفرسان ثلاثةَ أشهر، وأعطى الرجّالَة ستة أشهر.
~~وكان في بيت مال الخاصة) خمسة عشر ألف ألف دينارا، وفي بيت مال العامة ستمائة ألف
~~دينارم ومن المدخور من ضرب كل سنة ممّا رسمه أن يحمل في أول السنة من المسيفات وغير
~~ذلك (٢) من آنية تقوم مقام العين ثمانية وعشرون ألف ألف دينارم ومن الجوهر والثياب
~~المخزونة، والفرش والآلة، ما يزيد على جملة العين ويُضعف. ومن الخيل خمسة عشر ألف
PageV00P023
~~رأس ، ومن الكراع اثنى عشر ألف رأس . وأطلق للجلساء ( ) (١) إلى كلّ واحد، فطالبو
~~بثالث ليكونوا أسوة [٤ ب] الفرسان، فؤعدوا بصلة، وَدنوا فقبّلوا يدَّ المقتدر باللّه، ولم يُنشده
~~أَحَدُ شعراً. وكنتُ قد عملت أبياتاً للوقت أولها:
~~أضاءَ لنا وَجـهُ من القصر مُشرق فأصبح للـدنيـا وللـديـن رَونَقُ
~~فأنشدثُ منها أبياتاً .
~~وعمل يحيى بن علي النديم قصيدة أولها:
~~أراكَ اليقيـَ الشـكٍُ بعـد التحيِّر بمن لم يكنّ يعدوه حُسنُ التخيّر
~~فخرجت لنا صلةٌ عشرة ألف درهم ، فاقتسمناها بيننا، وجاء مُتوّج بن محمود بن
~~مروان (٣)، وكان برسم الجلساء بقصيدة، فدفعها إلى فاطمة القهرمانة فأَمَرَّ له بمائتي دينار.
~~قال أبو بكر: وكتب العباس بنُّ الجسن إلى الناس كتاباً على نسخة واحدة. «قد قضى اللّهُ
~~عزّ وجلّ في وفاة أمير المؤمنين المكتفي باللّه ما قضاه في أنبيائه وجعله حَثْماً على جميع خلَّقه،
~~وخَصّ بخلافته أمير المؤمنين المقتدر باللّه جعفر بن المعتضد باللّه - أطال اللّه بقاءه وأدالم
~~توفيقه وأحسن معونته فأعادَّ الأمرَّ في نصابه، وقرّ [٥ ا] الملك في قراره، وكمَلَ به النعمة على
~~كافة المسلمين للفضائل (٤) التي خصّهُ اللَّهُ بها، وآثْرَهُ بالأحسن منها، لقيامه بشرائع دينه،
~~والعمل بكتابه وسُنّة نبيّه - - ، واستشعاره التقوى في سرّ أمره وجهره وإفاضة العدل في رعيّته
~~وأهل نَّمته. وأجمعَ الخاصةُ والعامةُ على الرضا به، والاغتباط بدولته، فأقبلوا مسرعين،
~~سامعين، مطيعين له بإخلاص نيّاتهم وانشراح صدورهم، وأنفساح آمالهم، وقوة عزائمهم،
~~واتفاق أهوائهم، معطين بالبيعة صفقة إيمانهم، ووثائق ألسنتهم، عالمين ما في ذلك من اجتماع
PageV00P024
~~الكلمة، ودوام الألفة، ولمّ الشعث، ورتق الفتق، وعموم النفع، وحياطة الحريم، وأمن السبيل
~~قمع العدو، ورعي الدين وصلاح أمر المسلمين، شاكرين اللّه عزّ وجلّ على ما بلغهم إياه من
~~تمليكه، وأسبل عليهم من الستر، والصيانة، بخلافته ووفقتهم له من حسن طاعته () (١)
~~أمير المؤمنين مَدَّ اللَهُ أيّامه وحرس [٥ ب] من الغْيرِ دولْتَهُ - من التفضّل والإنعام والتشريف
~~والإكرام والتقديم والإيثار بما يُشبه المحلّ الذي أَحَلَّهُ اللَهُ من الخلافة والسناء والرفعة. وكتابي
~~هذا وأنا في شرف مجلسه، - أيَّده اللَّهُ -. وعزَّ قَربه، وبحضرةِ من أهل بيته، وقواده، ومواليه،
~~وغلمانه، وسائر طبقات أوليائه، فقد غمرني بتطوله وبرّه، وبلّغني خطراً أعجز عن شكره،
~~أمرني أن يكنى علي كُلَّ من أكاتبه، وأن تكون كتبهم إليّ بما راه - أيّده اللّه - من هذه المنزلة
~~التى خَصَّني بسنائها وشرفها، ورفعني بَمنَه وطَوْله إليها. وأنا اسأل اللّه عزّ وجلّ بقاء أمير
~~المؤمنين في دوام العَزّ والتأييد والعلو والتمكين، وأن ينهضني بتأدية حقوقه، واستفراغ الطاقة
~~فى طاعته، ويعينني على بلوغ مرضاته، وما يكون كفاءَ لفضلهِ لدي وإحسانه، وعرفتك ذلك
~~لتأخذ نفسك به، وتجري عملك عليه حامداً للَّه تعالى على النعمة فيه ، شاكراً على ما وهب
~~منه، إن شاء اللّه. (٦ آ]ً.
~~قال أبو بكر : وأمرَ العباس بنُ الحسن أصحاب الدواوين على ما كانوا عليه، وخلع على
~~«اسوسن» مولى المكتفي باللّه وحاجبه وقت وفاته، وجعله حاجباً على حاله التي كان عليها،
~~وخلع على «فاتك المعتضدي» ولمؤنس الخازن»، ولايُّمن» غلام المكتفي ، وعلى «ابن
~~عمرويه»، وهو على شرطة بغداد، وعلى «أحمد بن كيغلغ»، وكان قدم يوم تقلد المقتدر باللّه
~~الخلافة بقوم حاولوا فتح سجن دمشق، وسعوا في فتنة، فحملوا على جمال وألبسوا برانس.
~~وخلع على «المسمعي»، وعلى ابن «صوارتكين»، فمن كان إليهم منهم عمل كانت الخلع
~~لإقراره، ومن لم يكن كانت الخلع تشريفاً له. وردَّ المقتدر باللّه رسوم الخلافة إلى ما كانت
~~(٢) يحيى بن عليّ المنجم النديم (٢٤1 - ٣٠٠ هـ) انظر سيرته ومجموع شعره في كتابنا «أربعة شعراء عباسيون» عليه من التوسع في الطعام والشراب ، وإجراء الوظائف، وإقامة الشمع الذي كان يقام للخلفاء
~~وفرّق في بني هاشم خمسة عشر ألف دينار، وتصدق في سائر الناس بمثلها، وأضعف لبني
~~هاشم أرزاقهم فصار الرجل [٦ ب] يقبض في كل شهر ديناراً وكان يقبض نصف دينار. وأمر
~~بأن تعاد رسوم الأضاحي، وتقدم في شرائها، ففَرق في يوم التروية، ويوم عرفة من البقر والغنم
~~ثلاثين ألف رأس، ومن الإبل ألف رأس على القواد والغلمان وأصحاب الدواوين والقضاة
~~والجلساء، على مراتب كل طائفة منهم، وأمر بإخراج القُّوّاد المضربين (٢) الذين حُبسُوا مع
PageV00P025
~~«ابن الخلج» وكفل بعضهم من بعض وخلع عليهم، وقال : استصلحهم بالإحسان إليهم
~~والرغبة، فإنه أَحبُ إليّ من من الإساءة والرهبة وأمَرَ بإطلاق جميع من في المحابس ، ممن لا
~~خصم له ولا حقّ للَّه عزّ وجلّ في حبسه. وأمر محمد بن يوسف بالنظر في أمورهم وتخلية من
~~رأى تَخْلِيَتَهُ منهم، ففعل ذلك وخلّى منهم خَلْقاً كثيراً . ورفع إليه أن الغلة (١) التي بناها المكتفي
~~باللّه في رحبة باب الطاق من قرب الجسر إلى أصحاب القلانس وما يليهم، قد أضرّت
~~بالمُتعيشين من الناس، وأنّ هذه أمكنة كان الضعفاء والمتحملون يجلسون فيها [٧ آ] لتجائرهم
~~بلا أجرة لأنها طرق واسعة، فسأل المقتدر باللَّه عن غلّتها فقيل تغل في كل شهر نحو ألف
~~دينار، وستزيد على ذلك فقال : وما مقدار هذا في صلاح المسلمين، واستجلاب دعائهم، فأمر
~~بها فنقضت وأعيدت إلى ما كانت عليه.
~~قال أبو بكر : وتكلم الناسُ في بلوغ المقتدر باللّه فقال قومُ: وَليِّ ولم يبلغ، وقال قومُ:
~~بلى وَّلي وقد بلغ ذلك بشهور، وهذا هو الصحيح، لأنّ أخاه المكتفى باللَّه ما زال يتعّرفُ ذلك،
~~حتى صَحّ عنده. وكان مولده لثٔماني خَلَوْن من شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين، فكانت
~~سنُّهُ يوم وليّ الخلافة وهو يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين
~~ومائتين ثلاث عشرة سنة كاملة وشهرين، وكان بلوغه في شعبان من سنة خمس وتسعين فقال
~~لي الوزير العباس بن الحسن اجمع شيئاً «في صفة الأحداث والشبان» فألَفُْتُ فى ذلك [٧ ب]
~~كتاباً مشهوراً وجمعتهُ فما(استتمته حتى وَليَّ عليّ بن محمد بن الفرات فأوصلتَ الكتابَ إليه،
~~وجعلت الخطابَ له فكان ما فلي صدر الكتاب : «والسن لا تقدم مؤخراً ولا تؤخر مقدماً بل رُٔبَّما
~~عُدِلَ بجليل الأمور ومهمّ الخطوب إلى كملة الفتيان لالّستقبال أيامهم، وسرعة حركتهم، وحدَّة
~~أذهانهم، وتيقظ طباعهم، ولانهم على ابتناء المجد أحرص وإليه أصَّبُ وأحوج، وقد أخبر اللّه
~~عزّ وجلّ أنه أتى يحيى بن زكريا - قعليكتل - الحكمة في سنَ ( الصبي) فقال: {يّا يُخيّى حُذِ
~~ألْكتابَ بَقَوَةٍ وَآتِيْنَاهُ الحكُم صبيّاه (٢) فلم يمنعه صغرُ سنُه أن آتاه اللّهُ الحكمة وأهّله بحملها
~~والقيام بها، والاستقلال بالكتاب، ثم جعلّ استقباله إياه بقوة.
~~حدثنا محمد بن يونس قال حدثنا علىّ بن محمد الناقد قال حدثنا داود بن عمرو الضبّي
~~قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس - عليَ - قال
~~ما بعث اللّه سبحانه [٨ آ]) نبَلّا إلاّ شاباً ولا أوتي العلم عالم إلاً وهو شاب، وتلا هذه الآية:
PageV00P026
~~(ِقَالَوا سيِعْنَا فتَى يَذْكُرُهُمُ يَقَالُ لَهُ ِٕبرّاهِيم»
~~قال أبو بكر: عملت شعراً أخاطبُ فيه ابن الفرات وأصف المقتدر باللَّه وهو:
# لِتَهُْنْـلكًا يـا خيـر مُشْتـوزرٍ %~% اخلافةٔ خير الـورى جعفر
# امامُ هُـدیَ عمَّنـا جـوده %~% فـأصبـح كـالعـارض المُمْطرِ
# أتـمُ مـن الشمـس فـي حسنهـا %~% وأَزهـر من بـدرهـا الأزهر
# وليـت الأمـور فـأوردتّهـا %~% مَـواردَّ محموَدَّة المَّصـدر
# وحطـت الإمـامّ وأمـوالـهُ %~% علی رغم باغ ومستکبر
# وقـد أقبلـت نحـونـا فثنـةً %~% تلروع پيجــانبهـا الأوعـرِ
# فـأشرقَ رأيُـكُ فـى ليلهـا %~% وأوضح للسـامــع المُّبصـر
# وأصلَحّـت بـالعـدلٍ من جـؤرهـا %~% وأسرعـت بـالعـرف في المنكر
# وكـانـت سعودُك في نَحّسِها %~% أتـمّ سعـوداً مـن المشتري
# وقـوَمُتَ فـي سـاعـةٍ دولـةً %~% تميـل بغيـرك فـي أشهر (۸ ب]
# يقيـت ولا زالـت فـي نعمـةٍ %~% تـدوم وتبقـى علـى الأعصّـر
# وكان الفضل بن جعفر (٢) الكاتب بالشاعر، أشار على المستعين بأن يولّى ابّنه العهدّ وهه
~~صغير، فقال في كلمة له : (٣)
# بكَ اللّهُ حاطَ الـديـن وانتاشَ أهلَهُ %~% من الموقفِ الدَّحّض الذي مثلّهُ يُردي
# فـوَلَ اَبْنَكَ العبّـاسَ عَهُدَكُ إِنَـهُ %~% له موضعٌ، وائتب إلى الناس بالعّهد
# فإنّْ خَلَفَتْهُ السـنّْ فـالعقـل بـالـغ %~% بهُ رتبّـة الشيـخ المُـوفـقا للـرَشـدِ
# فقـد كان يحيى أوتي الحكمَّ قَبْلهُ %~% صَّبيّاً، وعيسى كلَّمَ الناسَ في المَهد
# قال أبو بكر : وأنا أذكر ها هنا شيئاً من فضائل المقتدر باللَّه التي تفرَدَ بها، ولم تكن في
PageV00P027
~~خليفةٍ قبله، ثم أعود إلى (٩ أ] أخباره والحوادث في أيامه. فمن ذلك أنّه لم يَلِ الخلافة من بنج
~~العباس أحدَّ أصغر سنًاً منه، ولا من خلفاء بني أمية أيضاً، فاستقلَ بالأمور ونهض بها وهو في
~~ذلك السنّ ومن ذلك أنه لم يبلغ أحّدٌ في الخلافة ما بلغُهُ من المدة ، حتى جاوز السنّ التي ظر
~~قومُ أنّ الخلفاء لا يجوزونها. وقد جاءت الراية أنه يملك خليفة من بني العباس أربعين سنة
~~وذكر ذلك شعراؤهم فقال : «سديف» (٢١ يَمُدح المنصور :
~~تسوسٌ جميعَّ الناسِ عشرينَّ حجِة عشرين أخرى مُثْبَتُ ذاك في الحكم
~~وهو القائل؟
~~تملـك النـاسَ أربعيـن خريفاً لـم يَـزَلْ ثـابتاً مَـرويَا
~~فكُنَا نَظَّنَ الأربعين سنة ستكون، وسيعيشُها المقتدر باللّه لمّا جاوز الأربع والعشرين سنةُ،
~~حتى حدث ما حدث، فنحن نرجو [٩ ب] أن تكون الأربعين والطَؤْلُ للّه تعالى - للراضي إن
~~شاء اللّه، ولا سيما مع الرؤيا التي راها حققها اللّهِ قبل قتل أبيه المقتدر باللّه بنحو شهر. رأى
~~كأنّ النبيخ - ومعه الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان اللّه عليهم وقوفاً،
~~وكأنّه واقفتُ بين يدي رسول اللّه - - فقال لعلي عَليتّ : ألبس محمداً قميص أبيه إبراهيم،
~~قال : فألبسنى قميصاً سابغاً على أنّه ضيقٌ قليلاً ليس بالواسع، وعلى موضع الكتف من القميص
~~نقطة دم. فأوّل الراضي أن نقطة الدم تأويلها ما كان من أمر أبيه المقتدر باللّه. قال: ثم قال
~~رسول اللّه- -: ادفعوا إليه عصا موسى فدفعها إليّ عليّ - عليت - قال : فأخذتّها فصارت
~~في يدي حَيّة ، وهي رؤيا طويلة، إلاً أني جئت منها ها هُنا بما يستدل على الأربعين إن شاء
~~اللّه. قال: ثم قال النبئ - -: ناولوه [١٠ ا] البُردة فنَاوّلْنيها فلبستُها. ثم قال - - : كم
~~دفعتَ إليه؟ قال : ثلاثة. قال : ربّع له بالقضيب. قال فدفع إليِّ عليّ - تلي* - فأخذته.
PageV00P028
~~تتر اثأنا کلك فقلت هذه الأربعة أجل آيات الإسلام، وما يستدلٌ به على طول أيام العُلكِ،
~~رله غه أَمَلَهُ فيه، لأنَّ عصا موسى - صلى اللّه عليه - كانت أكبر آياته، فتأوّلّتُ بهذه الأربع أربع
~~ننَ الملك. ولمّا لم يكن أحَدٌ في وقتنا هذا يجوز أن يعيش أربع مائة سنة، قلنا إنها بعون اللّه
~~أرفع ما يجوز أن يعاش من الإعداد فكان ذلك أربعين سنة حَقَق اللّه ذلك.وممّا انفرد به
~~المقتدر باللّه من الفضائل أنه لم يُعُمَر أحدُّ من الخلفاء والملوك بعد رسول اللَّه - - أكثر ممّا
~~عمَّر، فإنه زاد على الرشيد وهو أكثرهم تعميراً في الخلافة عاش فيها ثلاثاً وعشرين سنة وشهراً،
~~فزاد المقتدر باللّه اثنين وعشرين شهراً
~~وقال أبو بكر: ومنها أنّ المُعمَّرين من الخلفاء [١٠ ب]ا سبعة أولهم: معاوية ثم
~~عبد الملك بن مروان ثم هشام بن عبد الملك. ثم من بني العباس أبو جعفر المنصور ثم الرشيد
~~ثم المأمون ثم المعتمد. كل هؤلاء مات على فراشه وخَصَّ اللَه عزّ وجلّ المقتدر باللّه بعد أن
~~عَمَره أكثر من تعميرهم بالشهادة التي تَمَت بها طهارته، فأحياه اللَهُ سبحانَّه سعيداً، ثُمَ أماتهُ
~~شهيداً، فانفرد من بين المعمرين بهذه الفضيلة.
~~قال أبو بكر : ومن فضائله أنّه انفّرد من الشرف ومن أبُوَّةِ الخلفاء، بما لم ينفرد به سواه
~~إلآ الخليفة الراضي، فإنه ساواه في ذلك وزاد عليه فأنا أبين ذلك وأشرحه إن شاء اللّه. لا
~~نعرف خليفة ولي الخلافة وقد وَلّدهُ ستة خلفاء، وأخوه خليفة مثل المقتدر باللّه، فإنّه ولدهُ
~~المعتضد باللّه والمتوكل بن المعتصم باللّه بن الرشيد بن المهدي بن المنصور، فما انقطع اتصال
~~الخلفاء إلا بالموفق باللّه.
~~وحدثني محمد بن عبد اللّه التميمي قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ١١3 ا] إسماعيل
~~الكاتب عن أبيه قال: لمّا بلغ المأمون قولُ دعبل يهجوه: (١)
~~اِنَّي من القَوْمِ الـذيـن سَُيوفهـم قتَلتَ أخـاكَ وَشَْـرَّفَتْكَ بِمَقَْعَـدِ
~~شادوا بـذكرك بَعْـدَ طولِ خموله واستنْقَذُوك مـن الحضيض الأَؤهَـد
~~قال المأمون: لعن اللَّهُ دعبلاً مّا ائهتَه، متى كنثُ خاملاً وأنا ابن ثلاثة خلفاء وأخو
~~خليفة. أفلا ترى المأمون فَخَرَّ بذلك، مع فضله بنفسه وأنه من أجلاء الخلفاء، فكانت الفضيلة
~~اللمقتدر في الآباء بأصلها للمكتفي باللَّه إلا أنّه لم يكن للمكتفي أخّ ولي الخلافة قبله، وقد كان
PageV00P029
~~ذلك للمقتدر باللَّه ولذلك مدح إسلحق الموصلي (١) المتوكل على اللّه فقال في كلمة له طويلة
# يا خير من ورثَ اليرسولَ وَمَنْ به %~% بَسَقَـت فـروع خـلافةٍ ومغـارسُ
# أنـتَ ابـن آباءٍ سَمَـت بك منهُم %~% خلفاء أربعةٌ وأنت الخامسُ [١١ ب]
# وإذا دَعيـت إلـى الجنـان مُخَلَـدا %~% مع رُفْقةٍِ الفردوس فابْنك سادسُ
# فكان أعظم ما مَدَحَهُ عنده. ولادةٌُ الخلفاء له، ولأمير المؤمنين الراضي باللّه في هذا مر
~~الفخر ما نم يكن لأحّدٍِ قبله، ولا ساواه خَلْقٌُ فيه، وهو أوّلُ خليفةٍ عُدّ من ابائه سبعة خلفاء
~~فقد كمّلَ اللَّه - جلَّ اسمه - له الشرفَ بالآباء، وبالنفس، وما خحُصّ من العلم، والحفظ.
~~والسّماع الكثير للحديث، ولكتب الفقه، والكرم المتعارف بين الناس، ولقد أصاب عبدهٔ صفةِ
~~حين وَلد - بلَغْهُ الّهُ مُنتهى الأعمار وغاية الآمال - فقلت في قصيدة أَهَنّي والدّه المقتدر باللّ
~~بمولده:
# بالـرّشـد والإقبـال والجَـدَ %~% والطـائر الميمـون والسّعُـدِ
# هناك يـا خير الـورى قـادمُ %~% أقبـل للبَيْعــةِ والعَهُـدِ
# مبـارَكُ الطَلْعَـةِ مِيُمُـونهـا %~% مُـوَمَـل للحَـلَ والعَقَـدِ
# الـو بَيَّـنَ المنبـرُ عـن نَفّْسـه %~% شكا إليـه شـدَّة الـوَجـد
# وإن سعـى النـاسُ إلـى غـايـة %~% بـادرَّ للخـاتم والبُـرّدِ
# زاركُ عـن شـوقِ إلـى قُـربـهِ %~% ازورةً مَعْشـوقيِ علـى وَعْـد
# عـلاهُ فـي أقصى مَحَـلَّ العْلـى %~% ومَجــدْهُ فـي مُنتهـى المَجـدِ
# بين الرشيـد المـرتضى هَـدْيُه %~% والسيـد المنصـور والمهـدي
# متّعك اللّــهُ بـأيـامه %~% حتی تری منه أبا جُّدُ
# في شعر طويل] ولم يكن مؤنس الخادمُ حاضراً في وقت ولاية المقتدر باللَهِ الخلافة،
~~وكان قد أخرج إلى ملكة مكرهاً مَُنُفيًاً، وعزم على أن يكتب إليه مع الخريطة بأن يلحق بمصرا
~~وكأن المكتفي باللّه أرادَ إبعادَهُ، وكرهُ قُربَهُ، فاستحضره المقتدر باللّه، وأعلى منزلته، وعفّلّ
PageV00P030
~~شأنه، وفوَّضَ إليه الأمور، وخاصة بعد موت صافي الحرمي. فإنّ صافياً كان يغمز على مؤنس
~~سرًاً، ويودُه رأيّ العين، ويُريه أنه ناصحُ له في العَشُورة عليه في البُغْدِ عن السطان، وإنّما كان
~~لدُ يه ذلك لئلا يزحمه مؤنسّ على مرتبته، ولا يشاركه في أمرِ ولا نَهُّي [١٢ ب].
~~قال أبو بكر : فلما توفي لصافي» ملك مؤنسُ الأمْرّ كُلَّه، فزاد ونقصَ، وأثبتَ، وأسقط،
~~، كان يفعل في أسفاره كما يفعل الخلفاءُ يأمر بما يريد في المالِ من الزيادات والإثبات والنقل
~~التسويغ ثم ينفذ ذلك إلى الدواوين فيُمُْتَثُلُ أمزه فيه . ثم كان من بعض أصحابه، ما عادَّ عليه
~~وبالهُ في عاجله وآجله. وسمعتُ صافياً الحرمي يقول: لما أمَرَّ المقتدر بهدم البناء الذي بناه
~~المكتفى في رحبة باب الطاق، أنفقَّ عليها الأموال العظيمة السنيّة، قيل لأمير المؤمنين: إن هذه
~~الغلة تساوى أكثر من ألف ألف دينار إن أريدَ بيعها فقال: انتفاع المسلمين بهدمها، وتوسعتهم
~~بمكانها، آثرَّ عندي وأحبَ إليّ من يمن هذه وغلّتها وأسأل اللَّهَ حُسْنَ العوض.
~~قال أبو بكر: وأَمرَ أمير المؤمنين المقتدر باللَّه في النصارى بنحو ممّا كان أمَرّ به المتوكلُ
~~على اللّه، وظهر من كرمهِ وطهارتهِ وتفقده [١٣ آ] أَمرَّ بني هاشم وزيادتهم، ورغبته في الدعاء
~~والخير، وكثرة صدقاته، ما كثر به الثناءُ عليه. وكان نصرُ الحاجب المعروف بالقشوري يقول
~~الي كثيراً ويُسرُ ذلك لي وإلى من يخصّه: لو لم يُعرّض على أمير المؤمنين المقتدر باللّه في
~~الرأي ويُصرف عن وَجهِ إرادته، كان الناس معه في عَيْش رَغلدٍ وحالٍ حسنة، ما نقول في خليفةِ
~~يُصَلَّي أكثر ليله، ويصوم تطوُّعاً كثيراً، ولكن الآراء تكثرٌُ عليه فَيِصرَّف بها عن طبعه، لأيَْهُ حَدَثُ
~~لم يجالس الرجال ولا جَرّب الأمورَّ ولا ساسَ صغيرها فيقيس عليه كبيرها، ولا قرأ السيّرّ، ولا
~~عَرَفَ الأخبارَّ، وإلاّ فهو أجمل الناس نيّةّ، وأكرمُهم طوّية، وأكثرهم تقية . وكان نصر القشورى
~~يرمي إلى هذه المعاني ولا يُحسن أن يُعَبَرّها بلفظة وكان ما علمتُ حَسَّن الفهم من أشباهه،
~~صحيح العقل، وافر الأمانة، وإن كان أعجمّي اللسان، وكان واللّه مع ذلك جواداً كريماً
~~قال أبو بكر: ولقد كان يحدثني أمير المؤمنين الراضي باللّه فی أيام المقتدر باللّه أنه
~~استحضره وإخوته يوماً لمجالسته قال: فحضرنا في ثياب المنادمة، إلاّ أخى هارون فإنّه جاء في
~~قباء وسئف ومنطقّة، فضحك حين رآه، وأَمرَّ أن تُخلَّعَ عليه ثياب المجالسة، قال: ثم أقبل عليّ
~~(١) إسحاق الموصلي هو إسحاق بن ابراهيم الأرجاني التميمي بالولاء. أبو محمد فارسي الأصل، شاعر مغر
~~فقال : أنا أحدَثُ السيّدة بحديثِ يشبه هذا وإن كان لا شيء عليك فيه، لأنّك علمتَ ما أردتُلةِ
~~ناقد، وقد ذكر النديم في الفهرست أنّ ديوانه يقع في خمسين ورقة ولم يصلنا وجمع شعره من معاصري
~~له، فجئت في اللباس الذي يصلح له، والذين أحَدَثُ عنهم لم يعلموا ما أريدوا له. ثُمَّ أقبل
~~الدكتور ماجد أحمد العزي - بغداد ١٩٧٠، وتوفي في بغداد سنة ٢٣٥ هـ . انظر ترجمته واخباره في وفياد
~~على السيّدة فقال لها: إنّ أمير المؤمنين الرشيد كان يقدم ابنه عبد اللّه المأمون وهو أكبر ولده،
~~على محمد الأمين ابن زبيدة أم جعفر وأسمها أمةُ العزيز بنت جعفر بن المنصور، ولذلك قَدَّمه
PageV00P031
~~على المأمون والمأمون أسّنّ منه لأنّ محمداً هاشميََّ الأبوين. وكانت زبيدة تقول للرشيد: في
~~نفسك تفضيل عبد اللّه [١٤ آ] على ابني! فيقول لها : فكيف أصنع إذا كانت نفسهُ تُقدَّمُه، وإن
~~أحببتِ أن أمتحن هذا بين يديك الساعة إمتحنتهُ . قالت : فافعل. فوَجَّهُ إلى كُلّ واحدٍ منهما:
~~احضر الساعة فإني أريدك لأمر. فأمّا المأمون فإنه حضر في موكبه وغلمانه وقد لبس سلاحه،
~~فقال له الرشيد : ما هذا الزيّ؟ قال: أرادني أمير المؤمنين لأمرٍِ، ولم أدرِ ما هو فاستظهرت بهذا
~~وقلتَ : إن أرادني لوَّجُهِ نفذت فيه من ساعتي ولم أتمكث، وإن يكن لغير ذلك فما ضرّني،
~~أكون مستعداً . وجاء محمد في الثياب التي يحضر في مثلها أبداً غير متفكر في هذا لعلمه بما
~~أريد منه. فقال الرشيد لزبيدة كيف أصنع بابنك وقد قدّمته وهذه حاله على عبد اللّه وقد رأيت
~~ما كان منه، فما كانّ عندها جوابٌ في ذلك.
~~قال أبو بكر : وهذا خبرٌ مشهورٌ وقد رويناه، فجاء به المقتدر باللّه بحسن قريحته، حيث
~~مضى شيءً يشبهه في وقته . ولعلّ أكثر الناس لا يعلم (٤( ب] أنّ مثل هذه الفضائل في
~~المقتدر، وكان هذا الحديث لي من أمير المؤمنين الراضي باللّه في سنة ثلاث عشرة وثلثمائة
~~وحدثني عنه أنهم كانوا يوماً بين يديه وكان أصغر الولد في ذلك الوقت «الفضل» فأجلَسَّه على
~~سريره معه، وجعل يُقبَلَ عينيه فيرشفهُ في الوقت بعد الوقتِ . قال : فَظَّنَّ أنّ ذلك ممَّا أكرَّهُ
~~فقال : يا محمد! لا تنظر إلى فعلي هذا ب «فّضلِ» فتظنّ أنّه بعْشْرِك عندي ولا أحَدُّ من الناس
~~ولكنّه صغيرُ ولم تزل الرقةُ والمَرَّحُّ تنصرفان إلى الأصغر من الوّلّد، وللكبير جلالهُ ومحلّه. قال
~~فشكرتُ ذلك من قوله ودعوتُ له.
~~قال الصولي: وحدثني الراضي أيضاً وقد كان أستأذنَ فی العبور إلى «الزبيدية» وأن يدعو
~~إخوته إليها، فأذنّ له المقتدر في ذلك وأطلق مالاً خطراً للنفقة، ولم يطلق له من أمَرَهُ بذلك إلا
~~بَعْضَُه، وكنت أنا وسائر عبيده الذين يأنس بهم ممن حضر في ذلك اليوم. ووافى إخوتُه وتَخَلَفَ
~~[١١٥] منهم «العباس» وكان يوماً شهيراً في جلالته، فحدثنى في ذلك الوقت أن أباه المقتدر
~~باللّه أنكر عليه تَخَلَّفَ أخيه العباس، وأنه اعتذر إليه لم يُبق غايةٌ في سُؤاله ذلك، والتأكيد عليه
~~فيه، ولكنّه آختار التَخَلَّفَ عنه. فقال له المقتدرُ باللَّه: كان يجب أن تمضي إليه أنت بنفسك
~~حتى تنهضه معك ، فإنك كبير هؤلاء ورئيسهم ، ويجب عليك أن تداريهم وتحتملهم وتلطف
~~لهم. فعجبتَ والَّه من هذا الفهم التام، والقريحة الحسنة، وإنّما جئت ها هنا بَطَرّفي من
~~محاسنه ليعرفها من لعَلَهُ قد جهلها، إلى أن آتي بما بقي منها في أخباره إن شاء الّه.
~~قال أبو بكر : وكان ((١) الحوادث في أيّامه : قتل العباس بن الحسن الوزير
PageV00P032
~~سَعْىُ الجماعة في خليه وتولية عبد اللّه بن المعتز، فسلم اللَّهُ تبارك وتعالى المقتدرَ لمعروفه،
~~جميل نيّته) وسابق قدَّرِ اللّه تعالى فيه وفي مدّته. وكان اليوم الذي قتل فيه (١) العباس قد ركب
~~الى البحيرة، [١٥ ب] وورد على صافي الحرمي الخبر بعزم القوم، فبادر بالمقتدز باللّه فأدخله
~~(٢) حتى وافى قصره الحسني فسَّلِما. وبلغ الخبرُ العباس بن الحسن فلم يكترث به ،
~~وسار على عادته من ناحية الثريا يريد باب عمار وبه داره، فَسَلَّ الحسينُ بن حمدان سيفه عند
~~موضع يعرف بمقسم الماء، فضرب به العباس بن الحسن على رأسه فسقط على يده وضربه
~~أخرى، ثم عاد فضربه ثالثة، وذلك في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست
~~وتسعين ومائتين. وضربه أيضاً وصيف بن صوراتكين، وضرب غلامٌ لوصيف ابنه أحمد بن
~~العباس ضربة لم تزل في وجهه، فأفلت إلى بستان رمى به خلف حائط ولم يزل أثر الضربة في
~~وجهه إلى أن مات، وجاء «فاتك المعتضدي» كالمنكر لما فعلوه فضربه «خطا مرس» ضربة
~~حلَت كَتَفَهُ، وثنّاه عبد الغفار فسقط، ونُهبت دور العباس وما يليها من دور الناس. وكان قد
~~عزم في ذلك [١٦ آ] اليوم على أن يشرب إذا رجع ببستانه الذي يسمّى بستان الورد وكان
~~الحسين بن حمدان وسائر كبار القواد في دعوته. وأنا أفرغ من أمر العباس وسبب قتله وما تأوّله
~~قومٌ عليه، وبعض ما قيل فيه ، ثم ابتدىءُ بذكر ابن المعتز إن شاء اللّه.
~~قال أبو بكر: حدثني الحسين بن حمدان قال: كان أصحابنا قد عزموا على قتل
~~العباس بن الحسن في دجلة إذا انحدر من داره إلى دار الخليفة وهو في طيّاره، وأجمعوا في
~~طرح الطيارات على طيّاره كأنهم يريدون السلام عليه، فإذا أطافوا به قتلوه، فطرحوا عليه يومأ
~~لذلك فلم يلحقوا طيّاره وفاتهم، وظنَّ العباس أن ذلك للسلام عليه كعادتهم وأفلتَ فعزموا على
~~الظهر بعد ذلك.
~~قال أبو بكر: وكنت قبل مقتل العباس بن الحسن بأيام، واقفاً على بابه انتظر الإذنّ،
~~فانصرف إبراهيم بن كيلغ ولم يؤذن له، فقال : امض بنا يا أبا بكرا فقلت : لى حاجة ولعَلَّى
~~أصل، فقال: هيهات [١٦ ب] قد خلا الوزير الذي وزارته خلافة بالأمير أبى شجاع فاتك بنظائر
~~لهذا القول وقيل لنا يا كلاب انصرفوا فانصرفنا ولعلّ اللّه ( ) (٢)، فعرفت الشّرّ من هذا
~~الكلام.
~~قال أبو بكر : وكان سبب قتل العباس أنّ الناسَّ حسدوه لغُلبته على أمر الخلافة وفعله فيها
PageV00P033
~~ما لا تريد، ولا معارض له في رأي، ولا مشارك له في تدبير، ولا يهاب الخليفة، ولا يفزه
~~منه، وقلّ ما احتمل الناس هذا لأحدَّ، حتى توقعوا تدبيراً لإزالته، وخاصة أن الذي كان يفعل
~~هذا من غير رضا من الخليفة فإنه لا بُدَّ أن يُنتَدَّبَ قومٌُ لإزالته. وكان العباس قد ردّ أمرَ الدواويز
~~إلى الكُفاة من الكُتّاب . فجعل ديوان السواد وبعض الأزمّة إلى علي بن محمد بن الفرات
~~وجعل ديوان المغرب وبعض الأزمة إلى علي بن عيسى بن داود بن الجراح، وجعل ديواز
~~الجيش وتدبيره إلى محمد بن داود بن الجراح. وجعل (١٧ ا] باقي الأزمّة وأكثر ما بقي مز
~~الأعمال إلى محمد بن عبدون، وكان صافي النيّة لهم طول أيام المكتفي باللَه، منصفاً لهم في
~~إذنه ولقائه، فلمّا علا أمرهُ في أيام المقتدر باللّه وملك الخلافة تجَبَرِ وتكبّر، ومشنى القواد بير
~~يديه فلم يأمرهم بالركوب، واجتنب أن يُخاطبَ صغار الناس وأن يقف في بعض الأوقارة
~~لمتظلم كما كان يفعل، وكانوا شاكرين له محبين لدوام أيامه فلما حال عن عهده جعل ما في
~~أنفسهم من الرعاية والحياطة لأموره يمحص ويذهب فكان كما قال الفرزدق:
# تَصَـرَّم مِنَـي وَدُ بكُـرِ بـن وائـلِ %~% ومـا كـان منَـي ؤُدُّهـم يَتَصَـرام
# قَـوارص تـأتيني، وتحتقرونهـا %~% وَقَدُ يُمُلزً القطْـرُ الإنـاءَ فيفعُمُ
# وقد أجابه عن هذا بعض بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، ويروٍ
~~أنّ اسمه جرير بن خرقاء فقال:
# القد تَه أثُـكُ الـدارَّ بكرُ بن وائـلِ %~% فَركَّث لك الأحشاء إذّ أنّتَ مجرم (۱۷ ب
# ليـالـي تمَُنْـى أن تكـون حمـامة %~% بمكة يغشاهـا الستـار المحـر
# فإنْ تَنُـأ عنَـا لا تَضـرّنـا وإن تعُـد %~% تجّـدنـا علـى العهـد الـذي كنتَ تعل
# قال أبو بكر: وإنّما قال: «تمنّى أن تكون حمامة١َ) لأنّ الفرزدق لمّا هرب من زياد
~~مكة قال يخاطبه:
# فدعني أكَنّْ مـا دُمْتَ حَيّاً حمامـةَ %~% بمكـة يغشـاهـا الستـارُ المحـرّم
PageV00P034
~~قال أبو بكر : وحدثني الطالقاني يوماً وقد جاءني مُسَلَّماً عليِّ فقال: إنصرفتُ من عند أبى
~~عيد اللّه محمد بن داود بن الجراح إليك وسألته عن قصته مع العباس بن الحسن ، وكيف
~~لمعاملته (١) له في هذه الدولة، وكان هذا في أول ما ولي المقتدر باللّه، فقال لي: أجيبك بما
~~قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
# تَبْحُْشْيُمُ سَخطـي فَخَْيَـرَ بحثكَـم %~% نَخَيِلَـة نَفْـسِ كان نُصْحاً ضميرُها
# اولـن يلبـث المكروهُ نفساً كريمةً %~% إِذا حُـرَكـتُ أن يستمـرّ مـريـرُّهـا
# ومـا النفـسُ إلاَ نُطْفَـهُٔ بقـرارة %~% إذا لم تُكدّر كان صفواً غديرها (٣) [١۸ آ]
# قال: فعلمتُ أنهم قد كرهوه. واجتمع هؤلاء الأربعة ثتاب الدواوين، فكتبوا رقعةَ إلى
~~العباس بن الحسن يستعطفونُه، ويسألونه إجراءهم على عاداتهم في سَعَةِ إذنه، وطلاقة وجههِ،
~~ودفعوها إلى أبيه الحسن بن أيوب، فأخذها منهم فدفعها إليه، فوعده الجواب عنها. فلمّا خرج
~~وَقع على ظهرها بخطّه : أمّا المحمدان: فَشَرهان نَطفان أبطرتهما النِعمةُ حتى تعدَّيا طورَّهما فی
~~التَسَّمُحّب، يعني محمد بن داود ومحمد بن عبدون، وأمّا العَليّان فإنّ لأحدهما نعمةً يحامي
~~عليها، وأمّا الآخر فَمُسْتَشْعرُ كَبُراً ومنتظرُ وَحيًاً قد شمّا الوزارة من لحاهما، وعَلَيَّ تقويمَ أوّد
~~الجماعة وإصلاح فسادهم إن شاء اللّه.
~~قال أبو بكر : فَسَتَرَّ الحسنُ عنهم ذلك، ودار في أفواه الناس فتحدَُْوا به وكان ممَا يدَّعيه
~~الحسين بن حمدان عليه أن سكر يوماً عنده، قال فأخذ خاتمى من يدي وأنا لا أعلم وأنفذ إلى
~~جاريتى مع خادم له يقول لها عني: إحضري ليسمعَ الوزيرُ غناءَكٌ . وكنتُ قد خِفتُ شيئاً من
~~هذا، فأكَّدْتُ القولَ فيه مع الجارية قبل ذلك، فلم تصغ إلى قول الخادم. وكان الحسين بن
~~حمدان بعد قتله العباسحين قدم بغداد وترك باب الشماسية) يُخرج رقاعاً يزعم أنّها بخط
~~العباس إلى جاريته يحبّها (كذا)، عليه، ويُعدها بكلَّ شيء خطير نفيس، وَيَزَهُّدها في الحسين،
~~وأرانا تلك الرقاع. وكان الحسين يحلف مجتهداً أنه ما ارتكب ذلك من العباس حتى سمعه وهو
PageV00P035
~~يقول، وقد ناوله المرزباني صاحب أحمد بن إسماعيل بن أحمد كتابا من صاحبه آحمد بن
~~إسماعيل يسأله أن لا يقبل «بارس» الهارب من جملة غلمانه الواردين إلى باب السلطان، وأنه
~~يعطيه أماناً ويولّيه ناحيةً ويعلمه أن قبوله لبارس أفسدَ جميع من معه، وخراب لخراسان وسبب
~~لاضطرابها، والعباس يأبى في كلّ ذلك، إلى أن قال المرزباني : ومَنْ «بارس» وما يجىء معه،
~~لأحمد ألف غلام مثل «بارس» فلا تستفسد مثله من [١٩ آ] أوليائك ببارس ، فقال له العباس:
~~وما يجىء من «بارس» اصطنعه فيعلو أمره كما علا أمر الناس، أليسّ كان محمد - صلى اللّه
~~على سيّدنا واله وسلم - أجيراً لخديجة ثم جاء منه ما رأيت؟ قال: فاعتقدتُ قتله، وأمسك
~~المرزباني فلم يجبه.
~~قال الصولي: وزعم الحسين بن أحمد بن عبد الصمد بن طومار الهاشمي أنه كان حاضرا
~~لهذا الحديث منه، فسألت أبا أحمد بن عبد الصمد بن طومار عن ذلك فقال: احفظ أنها كلمة
~~أخطأ بها العباس وكان يجب أن يقولها. وحكى المرزباني نحواً ممّا قاله الحسين بن حمدان .
~~قال الصولي: وما علمتُ العباس بن الحسن كانّ إلاّ جميل الأمر، حَسَنَ الدين، كثير
~~الصدقة والمعروف، ولقد كُنّا نسأله في أبواب المعروف أشياء كثيرةً فيأمر بها، وربمّا جرى
~~بعض ذلك على أيدينا. وكتب عليُ بن عيسى إلى العباس بن الحسن: إنّي لا أستحلُ أن اكتمك
~~ما اتصل بي من عزم القوم اليوم على الفّتّكِ بكُ فبادر فى طريق غير طريقك، فلما [١٩ ب] قرأ
~~الرقعة قال: جاءنا بضّعف قلبه وخوّره، أليس معنا أبو علي الحسين بن حمدان.
~~قال أبو بكر : لمّا قتل العباس، وتفرقوا عنه، سَلَّبَهُ بعض الأعراب ثيابَه، فما ترُك إلاَ فی
~~سراويله بغير تكة. وجاء بعض الأكرة فحمله في كساءٍِ ودفنه. ولمّا استكبر العباس بن الحسن
~~وتغيّرت أخلاقه قال فيه بعض الشعراء :
# يا أبـا أحمد لائح %~% سنْ بِصَـرفيِ الـدهـر ظنّـا
# واحـذر الـدهـرّ فكم أه %~% لَك أملاكاً وأفنی
# کم رأینا من وزیر %~% صار فـى الأجـداث رَفُنا
# أین من کنت تراهم %~% دَرَجـوا قَـرْناً فَقـرْنا
# فَتَجَْنَّـب مـركَــبَ الكب %~% -ـرٍِ وَقَـل للنـاس حَُسْنـا
# وتمـا أمسـى بعَـزْلي %~% من بـه أصبح يُهنا
# وقبي ح بمُط ـاع ال %~% أمـرِ أن لا يتــأنَـى
PageV00P036
# اترك النـاس وأيّـا %~% مُكِ فيهـم تَتَمَنَى
# قال أبو بكر: ودخلت يوماً بعد قتل العباس بن الحسن على عبد اللّه بن حمدون مُسَلَماً
~~عليه، ومعي الحسن بن إسماعيل القاضي، فقال لنا ابن حمدون: بلغني أنّ يحيى بن علي
~~المنجم قال في قتل العباس في موكبه شعرا منه :
# الو كان سيفي إذ حضرتك في يدى %~% سَّلـمَ الـوزيـر وهـابنـي أعـداؤه
# واللّه لو كان سيفهُ في يده لأهلك اللَهُ من بقي فلم يسلم أحدُ . فقال له الحسن بن
~~اسماعيل: احمدوا اللّه عزّ وجلَّ إذ سلّمكم! ولم تعرفوا ما تحت قولي، وإنّما أردت أن سيفَ
~~يحيى لم يكن معه. وقيل في العباس:
# لـو أنَّ ما أنْيُـم فيه يـدومُ لكم %~% القلـتُ أنّ اختـلالـي دائـهٔ أبـدًا
# لكـن رأيـثُ الليـالـي غيـر تـاركـةِ %~% ما ساء من حادثي أو سرّ مطردا
# فقـد سكنت إلـى آي وآئّكم %~% سَتَسْتََجُـدُ خـلافَ الحـالتيـن غـدا
# اضحـى وزيركُم العبـاسُ فـي عـدَدِ %~% من الجيوش، وأمسى تالفاً وحدا [۲٠ ب]
# وقال يحيى بن علي وكان في الموكب:
# ما إن رأَيـتُ ولا أرانـي رائيـاً %~% أبَـداً كضيعـة مصـرع العبـاس
# وثـبّ ابـنُ حمـدان اللّعيـن بسَّيّفه %~% يَغْلُـوه لا يـألـوهُ وَسـط الـراس
# أظْنَُْتُ أنَّ الـذئـبُِ ينَسـى خُلْقَـهُ %~% هيهات بـل أنت المضيع الناسى
# وقال أخر فيه :
# أبـا عبـاس صـرتَ إلـي النهـايـهٔ %~% ولکن أنت عند الناس آیهٔ
# إذا ذكـروكٌ قـالـوا ثـم قـالـوا %~% ربيب تَعهُـر وصنیـع دایه
# رأيثـكَ هـابطاً بعـد ارتفـاع %~% وسَعَـي النـاس مقـرون بغـايـهٔ
# قال أبو بكر : تحدث الناس بأن المكتفي باللَهِ لَقَبهُ لكربُ الدواء»، فقيل فيه لما قَتل:
# قد أرحنا من بـلاةٍ %~% ومضى كـرْبُ الـدواء
# كـان واللّـهِ علـى الصح %~% حـة غيظ العقـلاء
PageV00P037
~~وقال يحيى بن على يرثيه : ٢١3 ا]
# يا بؤس مغتبط بالدهر یأمنه %~% بعد الـذي قـد جرى في أمر عَبَّاسِ
# اغـدا أجَـلَّ الـورى حـالاً، وأنُبَلهُـم %~% قَدْراً، وأعظمهـم في أعْيَنِ الناس
# يريد بستانّه للشرب فيه علی %~% حسـن النبـات وريـح الـورد والأس
# فأحتازهُ دونّ ما قد كان قَدّرَهُ %~% سيفُ الحسَيْن فأمسّى رهـن أرماس
# سقاهٔ من كَفَّه ما كانَّ عُدَّته %~% كأساً حمَتْهُ عن (١) الإبريق والكاسٍ
# وقال علي بن محمد بن نصر:
# إنَّ ابـنَّ حمـدان بـن حمـدونِ %~% جاءَ بـأَمْرِ ليـسَ بـالـدون
# بضـربـةٍ قَــرَّت بهـا أعيـنَ %~% وفـرَّجتُ عـن كُـلَّ محـزونِ
# فجـدَّلَ العبـاسَ مـن بينهـم %~% بمُـرُهَـفِ الحـدَيَـن مَسْنُـونِ
# وفتكـةِ أودي بهـا فـاتـڭ %~% فهو صريعٌ غير مدفون
# قال الصولى: وعُملت فيه أشعار كثيرة تركت ذكرها، فلمّا قَتِلَ العباس وصُلَيَت الظهر من
~~يوم السبت، وَجَّّه محمد بن داود بن الجراح إلى عبد اللَّه بن المعتز، فأخرجه من داره في اخر
~~(٢١ ب] الصراة إلى دار إبراهيم بن أحمد الماذرائي التي على دجلة والصَّراة، ووجّه إلى
~~القواد، وأخذ البيعة عليهم، فأجابه أحمد بن محمد بن عمرويه صاحب الشرطة، ويمن غلام
~~المكتفي باللّه، ووصيف ابن صوارتكين، وابن كشمرد، ونزار بن محمد، وطاهر بن علي،
~~وعلىّ ( ) (٤) غلام المكتفي باللّه والحسين بن حمدان، وابن كيغلغ، والقاسم بن سيما
~~وخطارش، وجنّي الصفواني، وغيرهم. وصاروا بعبد اللّه بن المعتز إلى الدار التي للمكتفي
~~باللّه على دجلة في ظهر المخرّم، ثم صارت لابن الفرات، وَوَجَّه إلى محمد بن يوسف القاضي
~~وأحمد بن يعقوب أبي المثنئ في الحضور ومعهما العدول ليشهدوا كما ظنّوا على خَلْعَ المقتدر
PageV00P038
~~باللّه لنفسه والبيعة لغيره.
~~قال أبو بكر : فلعهدي ذلك الوقت وقد حضرت صلاة المغرب، فضّرّب بالدبادب من
~~القصر الحسني دار المقتدر باللّه، وضرب بدبادب أخر من الدار التي فيها عبد اللّه بن المعتز
~~وكذلك [٢٢ ا]ً في صلاة العشاء (١)، وصلاة الغداة من يوم الأحد، وشغل محمد بن داود عن
~~احكام التدبير بالكتب إلى النواحي بخلافة ابن المعتز، واستيزاره إياه، وسمي ابن المعتز
~~المنتصف باللّه وهو اللقب الذي اختاره، وجعل الناس يبايعون ابن المعتز، والذي يأخذ البيعة
~~على الناس محمد بن سعيد المعروف بالأزرق، وكان يخلف محمد بن داود على الجيش، وكان
~~الناس يحلفون بحضرة القّضاة، وأحضر عبد اللّه بن علي بن أبي الشوارب قاضى المدينة
~~وطولب بالبيعة لابن المعتز فلجلج قليلاً وقال : ما فعل جعفر المقتدر باللّه فدفع في صدره،
~~فنفعَهُ ذلك عند المقتدر فولآه قضاء بغداد، وعَزَلَ محمد بن يوسف عن القضاء وأباه يوسف بن
~~يعقوب، وقَتل أبو المثنى صَبْراً وهو أوّل قاض قتل في الإسلام صبراً (٢)، لا يُعرَّفُ ذلك فی
~~دولة بنى أميّة ولا في دولة بني العباس مثل ما جرى على أبي المثنى.
~~قال أبو بكر : ولم يشكَّ الناس أنَّ الأمر تامُ [۲۲ ب] لابن المعتز لاجتماع أهل الدولة
~~عليه، وكان أحَدٌ من تخلّف عنه «سوسن الحاجب» فإنّه كان في دار المقتدر باللّه، وقد كاتَّبَ
~~عبد اللّه بن المعتز وبايعه على أن يكون حاجبه، فبلغه في ليلة الأحد أن «ايُمْناً» غلام المكتفي
~~باللّه يذهب ويجيء قَُدّام ابن المعتز كالحاجب له، وكان عدواً ليمُن يناوِعُهُ منذ أيام المكتفي
~~باللّه، وكان «سوسن» قد واطأ ابن المعتز على أن يُوّجّه إليه بالمقتدر باللّه وبصافي الحرمي،
~~فلما بلغه أمر «يُمن» رجع عن عزمه، وشدّ الأمرَّ، وأحكمه وقوّى نفس صافي ومؤنس الخادم
~~ومؤنس الخازن، وأحضر الغلمان الذين في الدار، ووعدهم الزيادة، وأصبح عبد اللّه بن المعتز
~~في يوم الأحد والناس كلهم عنده ومعه قد أعدَّ للدار من الماء ومن جهة الحلبة وسائر الظهِر
~~الحسينُ بن حمدان وأمر ابنُ المعتز أن يجلس الجند في الحرّاقات والطيارات، وأن يُصاعد بها
~~إليه فلم يُقبل منه. ووجّه محمد بن داود إلى صاحب [٢٣ )] الكسوة أن يُوَجُهِ بخلع يلبسها أمير
~~المؤمنين المنتصف باللَّهِ والبردة فَرَدَّ إليه الرسول بأنّ المقتدر باللَّه قد لبسها. وصلى ابن المعتز
~~بالناس الغداة في يوم الأحد، ثم التفت إلى القضاة والعدول فقال : قد آن للحقَّ أن يتضح،
~~وللباطل أن يفتضح.
PageV00P039
~~وقال محمد بن خلف المعروف بوكيع (٢١ بين يديه فَقرَّظه وقال: أمير المؤمنين، واللّه
~~كما قال أبو العتاهية (٢) لجدّه المنصور .
~~أتشه الخلافة منقـادة اليـه تجرّو أذيـالهـا
~~فلـم تـكُ تصلـح إلآَ لَـهُ ولـم يـكُ يصلـح إلآ لهـا
~~ولـو رامهـا أَحَـدٌ غيره لزْلْزلتِ الأرض زلـزالهـا
~~ولـو لم تطعهُ بنات القل و ب لما قبلَ اللَّهُ أعمالهـا
~~فردَ عليه جميلاً وقال : أسأل اللَه عَوْناً وتوفيقاً.
~~قال أبو بكر : ووجّه عبد اللَّه بن المعتز إلى الجلساء أن يحضروا، فما حَُضَرَّ منهم غير
~~الحسن بن إسماعيل القاضي، فإنّه حضر فلمّا أحّسَّ بالخلاف [٢۳ ب] بادّر قبل الناس فخرج
~~وجاءني رسول قاصدٌ فقيل له : قد بادَرَ وذهب. وجاءني رسول أبي العباس بن طومار يشير علي
~~ألآ أبرح. وكتب إليَّ مُتَوّج بن محمود وكان في الجلساء يشاورني في ركوبه، فكتبت إليه
~~الصواب ما قال ابن هرمة’’:
~~أقيمـي يـا عَـدي ولا تَسَـوقي وإن تـاقَ الغُــواةٌ فـلا تتـوقي
~~وكُلَّ ما أحكيه من أمر ابن المعتز فالحسن بن إبراهيم حدثني بأكثره، ورجلُّ من الجند
~~محصلَ يعرف بمحمد بن داود بن رقبة. ثم قال عبد اللّه بن المعتز ما جلوسنا؟ نركب إلى
~~الدار، فقال له محمد بن داود: ننتظر قليلاً إلى أن ينفضَّ الطريقُ من عامةٍ تفرقت فيه. فقال
~~عبد اللّه بن المعتز: هواهم معنا أو علينا؟ فقال: ليسوا معنا، فقال ابن المعتز مجيباً له : «ليس
PageV00P040
~~يومي بواحدٍ من ظلوم!ا.
~~ديد أن أهل بغداد كانوا مع المستعين على أبيه المعتز وهم الآن مع المقتدر عليه. وجعل
~~جماعة ممن حضر يكتب لفظ ابن المعتز كلما [٢٤ آ] تكلّم بشي بادروا بكتابته.
~~قال أبو بكر : فحدثني الحسن بن إسماعيل القاضي قال : دخل رجلُ من الجلساء متقلداً
~~اسفاً ومعه ابناه فسلّم عليه بالخلافة، فقال: قليلاً قليلاً - ومن حَؤْله يسمع - لا سَلَّمَّ اللَّهُ عليك
~~با كلب! ألست الهاجي رسول اللهِ، والفاخر بعجمك على أهله، واللَهِ لأطعمنَّ الطيرّ
~~لحمك (١). قال : وخفتَُ واللّهِ أن يعجّل، فيأمر، فجعلت أومي إلى الانتظار به فَسلم، ولا
~~أحسب إلا أنّه كان يُعْدَّ له ما القتل معه راحةٌ له.
~~ودخلت يوماً إلى عبد اللّه بن المعتز وعنده عبد اللّه بن حمدون والحسن بن إسماعيل
~~الجليسان، فلمّا استقرّ بي المجلس قال : نُعيد ما كنّا فيه ثم ذكر هذا الرجل الذي دخل بسيف
~~بعد ذلك وسلم عليه فقال: كلابٌ غذتهم نِعُمُنا وأشادت بذكرهم خدمتنا، وسعوا بالباطل علينا،
~~وجحدوا إحساننا، وهجوا نبيّنا - صلى اللّه على سيّد البشر وأهله - حتى إذا كظهم العّذاب،
~~(۲٤ ب] وأسكتّهم الجواب، تحسنوا بالترفض، ومدحوا أهلنا، وأخصّ الناس بنا، وبالغوا في
~~هجائنا، مُفَرَّقين بذلك بينا لِتَنْصُرهم علينا طائفة، وليتألفوا قلوباً نفرت عنهم، ولو يعلم الجاهلُ
~~الكافرُ إنا وبنى عمنا من آل أبي طالب ولو افترقنا في كل شيء يُجمعُ الناس عليه ما افترقنا في
~~أن الثالبَ (٢) لرسول اللّه - - كافرٌ، والفاخرَ عليه فاجرّ، وأنّا نرى جميعاً قتلّه، ونَسْتَحلُ
~~دَّمّه. فما زلنا نُسَْكَّنُ منه ونحتال للعذر وَجُهاً وهو لا يقبل ذلك ويُعَنَفنا. ويقول: ليس بمسلم
~~من خالفَ في هذا قولي. فأنشدني صاحبُ هذا القول لنفسه بعد أن هلك ابن المعتز شعراً يذكر
~~فيه قوله : «لأطعمنّ الطيرَ لحمه» -:
# نَفَخْـتَ فـى غيـر فَْ %~% يا قـاطعاً كُـلَ رَحُـم
# المّـا تـألَيْـتَ بَغيـا %~% أن ثُطْعَـم الطيـر لحمـي
# حميـتُ منك وصـارال %~% مُباح ما کنت تحمي [۲٥ ا]
# فـاذهـبْ إلـى النـار فازحـم %~% شكانّهـا أيّ زَحـم
# قال أبو بكر : وأنا أذكر ابتداء العداوة بين هذا الرجل وبين عبد اللّه بن المعتز إذا فرغت
PageV00P041
~~من ذكر ابن المعتز إن شاء اللّه.
~~ثُمَ جَدَّ ابنُّ المعتز فی الركوب إلى «الحسني» فقدم محمد بن داود بن الجراح بين يديه،
~~وابن عمرويه صاحب الشرطة، ومعه خَلْقُ من الجند فخرجوا إلى الشارع فلقيهم جماعة مقن
~~الغلمان، ومن الحشم، فرموهُمُ ومنعوهم من التقرب، وأكبِّ العامةُ بالرَّجم ولم يجدوا مخلصاً
~~ولا متسلطاً ووجّه المقتدر بشذواتِ (١) وطيارات وفيها غلمان ومعه خاله «غريب»، فصاعدث،
~~فلمّا قاربت الدار التي فيها ابن المعتز ومعهم المطارد ضجوا، وكبّر العامة حول دار عبد اللّه،
~~فجعل الناسُ يتسلّلون لواذاً ويرمون أنفسهم في السماريّات، وهربَ ابن المعتز، ومحمد بن
~~داود، وسائر القواد الذين بايعوه وانشغل أصحاب المقتدر باللّه بمحاربة الحسين بن حمدان
~~[٢٥ ب] بناحية الحلبة عن طلبهم، فما زال الحسين يحاربهم إلى الظهر ثم أصابه سهمُ نزف
~~منه، ثم بَلَغْهُ تفرقُ أصحابه فرجعَ إلى داره بناحية باب عمّار، فأخذ كلّ الذي أراده، ولزمَ طريق
~~«شُرّ من رأى» ومعه جماعة من القواد، وجعل يتلهّف على ابن المعتز ألا يلحق به ، وتوقف
~~تأميلاً لذلك. وكان ابن المعتز وقت هربه قد تلثّم، فعرفه خادمٌ لابن الجصّاص، وكان ابن
~~الجصاص ممن تابعه وحَضَر داره فأومى إليه، فمضى معه إلى دار ابن الجصاص فعلم بخبر
~~بعض غلمان ابن الجصاص، فَسَّعى بابن المعتز، وقد قيل إنَّ ابن الجصاص أَمَرَّهُ بذلك، فَوَجَّه
~~من أخَذَ ابن المعتز وحَدرَهُ في طيّار إلى باب الخاصة.
~~قال أبو بكر: فوقفتُ حتى رأيته من حيث لم يرني وقد أخرج من الطيار حافياً عليه غلالة
~~قصب، فوقها مُبّطنة ملحم خراسانى إلى الصفرة قليلاً، وعلى رأسه مجلسيّة، فلمّا صار إلى
~~سمسنوهه واقف عند باب الخاصة لَطّمهُ فانكب [٢٦آ] على وجهه. فجعل جماعة يقولون:
~~ما معنى هذا؟ الذي يُراد به أعظم ولكنّه عمَ الخليفة، وابن عمَ الخليفة، وابن عمَ أبيه لا يجب
~~أن يستخفَ به أحد، واللّهِ لو كان المعتضد حيًاً وبَلَغَهُ هذا لقَطَعَ يدَّ سوسن. فأدّخل ابن المعتز
~~الحبسّ، فمات بعد أيام فَوَجَّه به إلى داره بالصَّراة فَغَسَْلَ وكُفَّن ودُفِنَّ.
~~قال أبو بكر: وصلّى عليه أبو الحسين العلوي المعروف بابن البصّري وكان جارّ
~~وصديقه، وصلّى عليه خُلْقَّ من جيرانه، وإخوانه، ودُفِنَّ في داره. فلمّا صَلُحُ أمرُ أخيه
~~حمزة بن المعتز وأقطعَ ما كان لأخيه نَبَشُه وحَوَلَهُ من الدار. وقال عليّ بن محمد بن بسَام:
# للَـه درُكُ مـن مَيْـتِ بِمَضَْيَعَـةٍِ %~% ناهيك في العلم والآداب والحَسَّبل
# ما فيـه لـؤ ولا لَيْـتُ فَتَنقصَـهُ %~% وإنّمـا أَدركَثْـهُ حـرِفُهُ الأدّب
PageV00P042
~~قال أبو بكر : ورثاه يحيى بن علي المنجم، فسمعثُ عبيد اللَّه بن عبد اللّه بن طاهر وكان
~~١٤ د الناس ميلاً إلى ابن المعتز [٢٦ ب] وأكثرهم وصفاً له (١) يقول - وقد سمع مرثٔية ابن المعتز
~~هذه التي رثاه بها يحيى بن علي - : ما رأيتُ مرثيةً موشحةً بالعيوب، مطرزةً بالهجاء، مُسَلدَاةً
~~بالتعنيف إلآ هذه، ولم سُمَيّت مَرْثيةً وهي أن تَسَمَى مثلبةَ أؤلى. وهي:
# أسيـتُ يِفَقْـدِ الصـديـق الـذع %~% استحـال عـدوًاً فمن مُشعِـدي
# تحِنّى الـذنـوبًَ وخـانَّ العهـود %~% وأصبح فـي صـورة المعتـدي
# وعَمّـى عليـه الصـواب الهـوى %~% فـأوردهُ شرّ ما مَـورد
# و قــد كانَّ فـي نعمـةٍ لـم تكن %~% تجاوزهـا رغبـة الحسَّــدِ
# ورَغْـدٍ من العيش مـا إنْ يُعـا %~% اش بـأطيب منه ولا أرغْـد
# فلم يشكر اللّـه فيمـا أتـا %~% هُ ما كان فيه ولـم يحمدٍ
# ولـو كـان ثـهّ سدادٔلمـا %~% أطـاع الغْـواةً فلـم يَـرشَـدِ
# ومن لـم يَعِرَّ سَمْعهُ ناصحیه %~% تـردَّى وضـلَّ ولـم يهتـد
# فأرداه ذلك حتى مضى %~% صريعـاً وأصبح فـي مَلحـد
# فـإنّْ أبكـهِ الآنّ لا أَبُكَـهِ %~% لحُسْـنِ وفـاء ولا سُـؤددِ (۲۷ ا]
# ولكـنْ لِشعْــرِ لـه رائـقِ %~% الِسَمٔـع البصيـر وللمُنْشـدِ
# كثيـر البـديـع ولكنّـه %~% يزيـغ مـن الكلـم الشـرَّد
# وفيـه نـوادر شعــرٍ أخَـذْنَ %~% بمطرف الشعـر والمتلـلد
# أغــارِ علــى أهلهـا مصلتـا %~% ولـم يتحشُْـمَ مـن النُقَّـدِ
# فلـم يستـدمُ حُسْـنَّ مـا كـان في %~% ه ولم يخشّ ما نالهُ في غدِ
# فـأودى مُسيئـاً فمـا إنْ بخلـتُ %~% عليـه بـأن قلـتَ: لا تَبَعُـدٍِ
# قال: ولا أعلم هجاءَ أقبح من هذا.٢
~~قال أبو بكر: ودخل «بارس» غلام أحمد بن إسماعيل بن أحمد، بغداد، فاستوهبَ من
~~المقتدر باللّه ذنبَ الجماعة ففعل، وقال: من الواجب علىّ أن أستديم نعم اللَّه عزَّ وجلّ،
~~والشكر على ما أولانيه، بالعَفُو عن هؤلاء القوم، ولو استقبلتَ من أمري ما استدبرتُ ما قتلت
~~أكثرهم، ولقد غلبتَ على رأيي فيهم، وكنتُ أرى المنّةَ عليهم وإخراجهم إلى الثغور ليكونوا
PageV00P043
~~رداً (١) للمسلمين.
~~قال [۲۷ ب] أبو بكر : وأمر المقتدر أن يحضر علي بن محمد بن الفرات للوزارة، فخلٍ
~~عليه يوم الاثنين لثمان ليالٍ بقين من شهر ربيع الأول سنة ستُّ وتسعين ومائتين، وخُلع أيفً
~~على مؤنس الخازن وَوْلّيّ شرطة بغداد وما يتصل بها من السواد، وجعل الوزير ابن الفرارٍ
~~يركب في الوزارة كما كان يركب وهو صاحبُ ديوان، ونهى أن يترجّل له أحد، ولم يُيخرٍ
~~ديوانّ السوادِ من يده، ودَبَرهُ كما كان يُدَبَرَهُ قبل الوزارة. ولستُ أذكر من أخبار ابن الفرارِ
~~ها هنا إلاّ ما لا بُدّ منه ممّا للمقتدر بالَلّه فيه ذكرُ، فأخباره كلها كاملة إذا بلغت إلى ذكره مز
~~كتابي «كتاب الوزراء» إن شاء اللّه.
~~قال أبو بكر : وكان الناسُ من أهل العلم يتحدثون أنّ المقتدر باللَّه لا بُدَّ أن يُخلع، فظنوا
~~أن هذا هو الخَلْعُ الذي كانوا يظنونه، حتى كان في أول أيام نازوك والقاهر ما كان، فَعْلم أنّا
~~ذلك الذي كان يروونه. والسببُِ في هذا أنّ الناس يروون أنّ كل سادس [۲۸ ا] ممَنُْ يقوم بأم
~~الدين من أول الإسلام - زاده اللَّهُ عَلُواً وتمكناً واتساعاً وكادَّ من كادَّهُ - لا بَدَّ أنّ يخلع، فاستوى
~~لهم ذلك فلم يقع فيه خَُرْمُ ولا شكُ إلاَ في الستّة الذين يتولون الأوائل، فإنهم تأوّلوا لهؤلاء،
~~فالأمر كما رووهُ، وأنا أبْيْن ذلك إن شاء اللَّه. يعقد أمر الإسلام بسيّد ولد آدم وخاتم أنبياء اللَّ
~~اعز وجلّ وخير من مشى على الأرض محمد النبي - - ثم قام بعده أبو بكر عبد اللّه بن عثمان
~~ثم أبو حفص عمر بن الخطاب ثم أبو عمرو عثمان بن عفان ثم أبو الحسن علي بن أبي
~~طالب - رضوان اللّه عليهم - فهؤلاء خمسة أوّلهم النبي - - ثم بايع النّاسُ السادسن وهو
~~الحسن بن علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليهما - فُخّْلعَ وصالحّ معاوية على ذلك وهر
~~السادس. ثم كان بعد هؤلاء معاوية ثم يزيد ثم معاوية بن يزيد بن معاوية ثم مروان بن الحكم
~~ثم عبد الملك بن مروان ثم عبد اللّه بن الزبير أبو خبيب وهؤلاء ستة أولهم معاوية وآخرهم
~~[۲٨ ب] ابن الزبير فَخْلعَ ابن الزبير وقتل، وقد (٢) ذكرت أنه لم يتسق كاتّساق ما قبله وما
~~بعده، ثم كان بعد هؤلاء الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز
~~ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك وهو السادس
~~من هؤلاء والثامن عشر من أول العدد فَخْلِعَ وقُتل، ثُمَّ لم نعدَ (٣) من ملوك بني أمية من هم
PageV00P044
~~(دهم ستة، إنّما كان بعده خلفاء ثم زال الأمر عنهم. ثم أتى اللّه عزّ وجلّ - بالدولة المباركة
~~دولة بنى العباس حرسها اللّه من الغير، فكان أوّل من مَلَكَ منهم أبو العباس السفاح عبد اللّه بن
~~محمد بن علي بن عبد اللّه العباس ثم أخوه أبو جعفر عبد اللَّه بن محمد المنصور ثم أبو
~~عبد اللّه محمد بن المنصور وهو المهديِ ثم أبو محمد موسى بن محمد الهادي ثم أبو جعفر
~~هارون الرشيد ثم محمد بن هارون الأمين وهو السادس قتل وخُّلع. ثم ولي بعده المأمون وهو
~~عبد اللّه بن الرشيد يكنى أبا العباس (٢٩ ا] ثم أبو إسحاق محمد بن الرشيد وهو المعتصم ثم
~~أبو جعفر هارون بن المعتصم وهو الواثق ثم جعفر المتوكل . ثم أبو جعفر محمد بن المتوكل
~~وهو المنتصر فهؤلاء خمسة وسادسهم أحمد بن محمد بن المعتصم وهو المستعين خُلع وقَتل.
~~ثم كان بعده أبو عبد اللّه المعتز محمد بن المتوكل ثم أبو عبد اللّه محمد بن الواثق وهو
~~المهتدي وقد قيل إنّه يكنى بأبي عبد اللّه، ثم أبو العباس أحمد بن المتوكل وهو المعتمد ثم أبو
~~العباس أحمد بن الموفق وهو المعتضد ثم أبو محمّد علي بن المعتضد وهو المكتفي ثم أبو
~~الفضل جعفر بن المعتضد باللَّه وهو المقتدر باللّه وهو الثامن عشر من أول ملك من بني العباس
~~خلع ثم رُدَّ ثم قَتيل بعد ذلك.
### || ذكر ما كان بين عبد اللّه بن المعتز وبين يحيى بن علي المنجّم
~~قال أبو بكر: فأوّل ذلك أنى كنت أرى يحیى بن علي عند عبد اللَّه بن المعتز كثيرا، وكان
~~ابن المعتز غيرَ صاف له ، قال [٢٩ ب] لنا ابن المعتز يوماً وليس معنا يحيى: أما تعلمون أنّ أنا
~~عمرو بن العلاء، والأصمعي، وأبا عبيدة، وسائر علماء البصرة، والكوفة، وقد حكي عنهم
~~غلط وتصحيف كما يقال، إنّما العالمُ من أحصيّ غُلطه وزَلّله. قلنا: نعم ما من أَحّدٍ إلاَّ وقد
~~حَفِظ عليه شيءٌ من ذلك، فقال: أفرآنى في العلم فوق هؤلاء؟ تحدثتَ يوماً فذكرت «يوم
~~بُعاث» فقلت «يوم بُغاث» (١) وكنتُ قرأت ذلك في كتاب على غلط ممن كتبّهُ ، فسمع ذلك
~~يحيى بن علي فطارَ به في الناس، ثم لم يُرُضَ بذلك حتى عمل رسالة يعذرني زَعَمَ فيها، ويذكر
~~من صَحّفَ وما كان ليسمع هذا أَحَدٌُ فيشهره عليّ، وما أشاعه عني غيره، ثم تحمّل علي بأنّه
~~عمل رسالةً يعذرني فيها، فنادى عليّ بها في الناس!! وما هذا جزاء فعلنا به، واصطناعنا له
PageV00P045
~~ولأبيه وجدّه. فعلمت من ذلك اليوم أنّه يشنؤه . وكنت ألقاه معه، فتجنبت بعد ذلك أن ألقاه إلاّ
~~مفردا. فحضرت يوماً عند يحيى بن علي بعد ذلك [۳٠ ا]. وعنده جميّعة، ومعهم شعر فيه
~~فخر بالعجم فكتبت الأبيات (١) في دفتر كان لا يفارقني مثله أبداً إلآ كتبت فيه ما يمرَّ لمن ألقاء
~~من المشائخ في ذلك الوقت، مثل: عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر وأحمد بن إسماعيل الكاتب
~~المعروف بنطاحة ومحمد بن موسى البريدي وما يمليه ابن المعتز من شعره. فكان ابن المعتز
~~يعرف أبداً الجزء الذي أكتب فيه عنه فيأخذه من يدي فينظر فيه، وربّما كتبتُ له منه الشىءَ الذى
~~يستحسنه، ممّا يمرّ عن القوم الذين ذكرتهم وغيرهم. فأملى علينا ابن المعتز أبياتاً من شعره،
~~فأخرجت الدفتر فكتبيُها، فنظر فيه ابن المعتز فمرّت به الأبيات، وكنت كتبثها عَظُّمَ عندي أمرها
~~فلم أنسبها في الدفتر لا سَمَّيْتُ لها قائلاً، فلمّا نظر فيها تغيّر وجهُه وقال: من أملى
~~هذه - ويحيى بن على حاضرٌ معه وابنه معه أحمد - فقلتُ : زعم الذي أنشدها أنها لبعض
~~الطاهرية، فقال : ومن في الطاهرية من يَتَفَوّه بمثل هذا؟ فقال يحيى بن علي : كذا زعم الذي
~~أنشدها. والشعر : (۲) [۳۰ ب].
# يا بني هاجر وَتَبّ (4) لكم %~% ما هذه الكبـريـاء والعَظمّهٔ
# نازعتُم اللّـه ثـوبَ عـزْتيـه %~% فـأنتُـم (٥) بـاعتـدادكـم أئْمَهٔ
# أَلَـمْ تكـن (١) في القـديـم أيكم %~% لأمّنـا سـارة الجمـال أمّـه؟!
# والمُلْـڭ فينـا والأنبيــاءُ لنـا %~% إن تنكـروا ذاك تـوجـدوا ظَلمَـهٔ
# إسحاقٌُ كان الـذبيح قـد أجمع اللّ %~% اسره عليه، الادّعاءِ ليّهٔ
# والأصرح الأصبح الـذي امتحـن ال %~% لهٔ أبـاه فيه وصَـانَ دمهٔ
# حتى إذا محمدًٌ أظهرال %~% حق وجلی بنوره ظلمه
# قلتم قريش والفضل بالـدين لَلِ %~% أنساب إن كنيُم قريشاً فَمّـهُ
PageV00P046
# فـإنَ أَوْلـى بـهِ لَتـابعهُ %~% منَـا ومنكـم فَلَيْنـوا الكلمَـه (١
# الستُ (٢) أبالي مـا لم أَقَلْ كَُـذِبا %~% مـن جهـلِ الحـقَ بَعْـدُ أو عَلِمه
# أمـا بنـو يعـرب فليسـوا كمَنْ %~% أسكنّهٔ اللّـهٔ آمنا حرمّهٔ
# ولا كـأحـرار فـارس إذهـم ال %~% أرؤسُ مثـلُ الأسـود فـي الأجمَـهُ
# أيام كسرى يحميهم الجـانب ال %~% معمور (٣) إلاّ أن يأخذوا ذممّهُ (٤)[۳١ا]
# قال الصولي: فلمّا استتمَ قراءة الأبيات ابنُ المعتز، اضطربَ وجرى ما ذكرتُ، ثم وثب
~~انصّرفنا فجاءني رسوله الغد فمضيت إليه فسألني عن قائل الأبيات وقال : قد واللّهِ عرفتُ
~~اللسانًّ والكلامُ الغشُّ ، ولو لم أعرفه إلاّ بقوله : «اتأبت» (كذا) لعرفته. فأقمت على كلامى
~~الأول فأنشد بيتاً :
# من شئتَ كُنْ فَوَحَقَّ من سكنَّ السما %~% إنّ الـذي قـال اتـأبـت يقتـلُ
# ثمّ قال: واللّه الذي لا إله إلاً هو ما قائلها إلاًّ يحيى بن علي، وإنّما واراها عنك وعن
~~غيرك، ثم أملى علينا شعراً جواباً عن هذه القصيدة : (٥
# أسمعّ قـولاً ولا أرى أحَـداً. %~% مـن ذا الشَقـيِّ الـذي أبـاح دَمَـهُ
# قـولـوا لكلب ۶) نـزا ببطنتـه %~% قـد فتـحَ الليـثُ للفريـس (٧) فمّـهُ
# إنَّ بِنـي هـاجـر الألـى تـركـوا %~% منكم أنـوفاً بـالجَـدْع مُصْطَلَمَـهُٔ
# وزلـزلـوا (٨) أبيـضَ المـدائـن فـاز %~% هدّ وحَلَّـث بـأهله النقمـة
# كنتم تُيوساً تَـدَْمَـیَ مَذَابحها %~% وهم لعمري الأسودُ في الأجمّةُ (۳١ ب]
# حـاشـا لإسحـاق أن يكـون لكـم %~% أبـاً وإن كنتُـم بَنيـه فَمَـهُ (4)
# وهـل بَنُـوه إلاَ لنـا خَــدَمُ %~% م رَقَّ عبـد منهـم لنـا وأمـهُٔ
PageV00P047
# خير من إسحاق خاتَّمَّ الرَسُّل ال %~% هادي (١) المجلَّـي بنـوره الظلمـهٔ
# ما للخنازير من قـراهـا أتّث %~% جـذمُ (٢) نبـي الهـدى لتهتّضمَـهٔ
# إيّـاه يَعُنـون (٣) لا قريشاً سقى %~% اللَّـه سيـوفاً إليكُـم قَـرمَهُ
# ما لقريش ذَنْبَّ سـواه فكـم %~% تجَمُجمُـوا القـولَ يـا بنـي الأُمَـهُ
# هـو النبـيّ الـذي بـه كسـرال %~% الـهُ رؤوسَ الأكـاسـر الَّلمَهٔ
# وبـادَ مُلْڭُ لهـم تَضَمَـخَُ بـال %~% بول مُضـلٌ كجيفـة الـرَّخمهٔ
# يا أمّـة شرّ أمـةِ وضعت (٤ %~% ديناً عليـه مـن الضَّـلال سمه
# تظـلّ فيـه العجـوز بــاركـة %~% علـى أبنهـا فـي الفـراش مُغْتَلِمـهُ
# تبلع ( ) کّ بمبعرها %~% نـزَْرَدَ الشيـخ لقمةً دسمه
# الـم يبـق منكـم إلاَ كمـا بَقيَـت %~% مـن الجـزور الّقـردانٌُ والحلَمَهٔ
# إمـا بثـوب الإسـلام مُسْتَتَِـرَ
# أو مُغتـدٍ (٢٠) صـاغر بجـزيته %~% وفي حُشاه من نفسه (٧) ضرمۀ [۳۲ ا] %~% وفـي قفـاهُ الأكـفَ مُحتكمَهُ
# فَلْتَتَحَرَق غيظا ضمـائركـم %~% أخزاكم ذو الجـلال والعظمـهٔ
# فشاعت هذه القصيدة، وَوَجَّهُ بها ابن المعتز إلى جماعة، وسكنَ الأمُرّ قليلاً إلاّ ما في
~~حوس. وعمل يحيى بن علي جواباً وَسَتَرَهُ عند نفسه، ولم ينشده بزعمه إلآ لي، ولابنه أحمد،
~~وترجل من إخوانه يعرف بابن النوشجاني، حتى بلغ ابن المعتز فاتهمنا يحيى بن علي بإشاعتها
~~عنه، فقلنا له اعمل شعراً غيرها، ولا تنشدنا إياه فإنه سيبلغه من حيث بَلَغَهُ هذا. فعمل أبياتاً
~~ولم ينشدها أحداً منّا فبلغ خبرها ابن المعتز، فبرئت الجماعةٔ عنده، ولم يُعُرّفنا لمن أنشدها
~~فلمّا كان من أمر ابن المعتز ما كان، قال لنا يحيى بن علي : كنت إذا عملتُ شعراً أنشدتهُٔ
~~محمد بن داود بن الجراح، على أنّه صديق، وأنه رجلُّ من العجم، وكان يُظهر لي بغضاً لابن
PageV00P048
~~المعتز، وكان يُكَلَّفني باللَّه وبالمودة أن أجعله أوّل من يقرأ.ما أعمله من هذه الأشعار، ولا علم
~~لى (٢٢ ب] أنه إنّما يريد بذلك التقرب به إلى ابن المعتز، وأنه يسعى له في الخلافة ليكون
~~«زيره، فبانَّ إليِّ هذا في وقتنا وما كنتَ علمتَ به .
~~قال أبو بكر : وشعر يحيى بن علي الذي أجاب به ابن المعتز:
# ما مُظهرُ الحــقَّ مثـل مَنْ كتَمَـهُ %~% وحـائز العقـل لا كمـن عـدمَـهٔ
# ما أحسنَ الصِـدُقَ في الأمور وما %~% أسلمـه، والمحـروم من حـرمَهٔ
# للَّه در الإنصـاف مـن خُلُـق %~% فـاز بـأوفى الحظـوظ مـن غنمهٔ
# والغـيّ يـدعـو إلـى السّفـاه ومَـنْ %~% لـم يَـكُِ للعَـرَّضِ صـائناً كَُلْمَـهُ
# ليس حليـم بنادم أبـدا %~% ولا سَّفيـهُ بعـادم نَـدَمهُ
# والشعرّ صوبُ العقـول يُظهر في ال %~% سنـديّ أفـن الإنسـانِ أو حكمَـه
# ما قلت مـا يستحـقٌ قـائلهٔ %~% ذمـا عليـه ولا بـهِ جـرمهُ
# أعطيتَ الَ النَبـيّ فَضَْلُهُـم %~% ولم أسـوغ عُلـوَّهـا الظلَمَـهُٔ
# فقُلْ لهـذا الـذي أبـاح دمـى %~% أظلمنا فـى مقـالـة نجمـه[۳۳]]
# امُـدَحٌ أسـلافـه ويشتمني %~% مـا مـادح الجـذم مثـل مـن شتمـهٔ
# لـولا حفـاظٌ لمـا أضـاع لقـد %~% أَعْـرَبَ قـولُ عـن المبيـح دمّـه
# بغيـا وفحشا لم يـرع قـائله %~% مـراتعُ البغـي كُلَهـا وَخمَـهُ
# الفضـل مـن هـاشم أفيـد وَلو %~% خبَّر هذا عن عـاقل هَشَمَهٔ
# إن خُطَـرث طـاعةٔ تكانفُها %~% منه انتقـامٌُ فـاللَهُ ذو نِقَمهٔ
# مـا الفحش شأنى ولا أَزنَّ به %~% والحمــد للّـه بـارىء النسَمّـهٔ
# ) (٢) الدين في القديم فَمِن %~% عابد نـار أو عابدٍِ صَنَمهٔ
# ونلكح أخته1 %~% مغتلَّم نحـوهـا ومُخْتلِمَهٔ
# مثـل أخي طيّءٍ ( %~% ألـم تكن تلـك لقمـة دَسمهٔ
# الو أنصفَ الظالهُ المجـاوبُ لـم %~% يفتح بمـا مثلـه عليـه فَمَـهٔ
PageV00P049
# يـا نـاقض الحـقّ لا عـدمتَ له %~% نقضاً ولا تبعـدانَ مـن نَظْمَـهُ
# أفرطت في بهتة المكابر لما (كذا) %~% دَوَّنتـه فـى كتبهـا العَلمَـهٔ
# فصـار في بعـد مـا يـروم كمن %~% تراهُ بالنفخ مطفئاً ضَرّمَهٔ [۳۳ ب]
# أيـن مقـال العبـاس فـى فارس ال %~% أحـرار مـا لا يضيعُـه الحــزَّمـهٔ
# إذ رأيتٔـم إقبـال رايتهم %~% تخفقٌُ بـالنصر وهی كـالحمَمَهٔ
# فأكرموهـم فـإنّ دولتكم %~% هُمُ بهـا يـوم ذلـك القَـوَمَهُ
# قـلْ لـيَ: أَحمَـدْتُمُ لنصركم %~% أعـرابكـم فـي اللقـاء أم عَجَمَـهٔ
# لا تكفرونـا إثبــات دولتكم %~% فيكفر اللّـهُٔ عنكـم نِعَمَهٔ
# أصـدقٌ منكم قولاً وأعرف بـال %~% حفضـل «أبو الفضـل» ربّه رَحمَّهُ
# لـولا ارتفـاعـي عمَّـا تَسـفٌُ لـه %~% دَرَيْـتَ أيِّ الأنـوف مصطلمـهُ
# لا تَتَغْنَـم شتمـي فمـا غنـم ال %~% مبیح ما قـد حميت بل عدمّهٔ
# كمثل من غَـرَّهُ مـن الأرقـم الـرق %~% ية حتى إذا أصماه إذكدمه
# لا تهج الليـث مـا تغـافـل ول %~% يُرُعكُ منه الـزئيـر فـي الأَجَمّهُ
# واهتبـل العفـوّ مـن أخـي ثقـة %~% لـو شـاءَ لاحَـت بمـا يقـولٌُ سمهٔ
# قال أبو بكر : فوضح لابن المعتز أن يحيى بن علي هو القائل للشعر الأول ولهذا، وكان
~~الشعران بين [۳٤ آ] يديه، يُقراَهُ كلَّ من دخل إليه، ويُعَجُّبه منه ومن قَبحه وسقوطه، وكان يقول
~~الشعر الأول على حال أذْهّبُ في المعنى من هذا، فأنّه (١) كان موشحاً بنفاقٍ، وكفر، لأنّه هجا
~~به النبيّ - - وهجا بني يعرب أظنه [ما] (٢) قصد إلاّ الأنصار، ولنصرتهم النبي - - حتى
~~أزال اللّه عزّ وجلّ به وبهم مُلْكَ من فَُخّرَّ به عليه، فقد أصابت الأنصارَ من قائل الهجاء شُبَهُ.
~~قال أبو بكر : ودخلت إليه يوماً وعنده جماعة، فرمى إليّ بهذه القصيدة وقال : انظر أترى
~~فيها لفظة رائعة، أو معنى مليحاً فقلت له : الأميرُ أيَّدَهُ اللّه - أعلم بهذا مني ، ومن جميع الناس.
~~فقال لي : ما فيها لفظة تمرّ في طريق الإحسان إلاً قوله : «والشعر صوبُ العقول» فسَرّقَ هذا
~~اللفظ ثم أتبعه بما ليس بسرقة من لفظهِ الغث، وإنّما أخذه من قول أبي تمام: (
PageV00P050
# فلـو كانَ يَفْنـى الشعـرُّ أفِنـاه مـا قَرَثْ %~% حياضُك منه في العصّور الذّواهب [۳٤ ب]
# ولكنَّهُ صَـوَّب العقـول إذا انّجَلّت %~% سحائب منه أعقبّت بسحائب
# فقلتُ : لقد جُوَدَّه أبو تمام وبَيُنهُ وإن كان أخذه. قال: ومن أين أخذه؟ قلت : من قول
~~أوس بن حجر الأسيدي ثم التميمي:
# أقولُ بما صبّت علی غمامتی %~% وَجُهْدي في حَبِـل العشيرة أخطبُ
# فقال: من ها هنا واللَّهِ أخّذه. وجعلثُ أغجبُ من فطنة ابن المعتز بالشعر، وهذا في
~~مالملوك قليل، فإذا برع منهم الواحدَ بعد الواحد تقدمُ الناسُ وخاصةً بنو هاشم فإنهم أرقَ الناس
~~افهاماً، وأدقّهم أذهاناً، وأحسنهم طبعاً، إنّما يكفي الواحد منهم قدحة، حتى تتأجج ناره، ولا
~~أعلم أحداً في ذلك الوقت يشعر، وله درايةٌ وديانهُ ومروةً وفهمُ إلاً وقد هجا يحيى بن علي
~~بسبب أبياته الأولى، وإن سُقُتُ ذلك طال الكتابُٔ، وخرجتُ ممّا قصدثُ له، ولكنّى أذكر شيئا
~~منه ها هنا إذ كان في هذا الوزن وهذه القافية، ثم أفرغ من أمّرِ ابن المعتز وأعود لتمام [۳٥ آ]
~~الآخبار والحوادث إن شاء اللّه.
~~قال أبو بكر : أنشدني بعض موالي بني هاشم لنفسه يجيب يحيى بن علي المنجم:
# فـاز بفضـل البيـانِ مَـنْ فهمَهُ %~% واللّهُ يهـدي للخيـر (۱١ من رَحمَهُ
# وخيرومـا اختارّه الفتـی أدّه %~% یحرس من دهرهِ بهِ نَعَمّهٔ
# والمـرهُ رهـنْ بمـا يفـوه بـه %~% والنقصو مـذ كان شاهره عَلّمّهٔ
# () (٣) فضـلُ والنفس تـائقـة %~% والـرزقٌ حَتُـمُ علـى الـذي قسَمَـهُ
# قـل لبني هـاجر سقتكم مـن الج %~% ـوزاءٍِ عَيْـنْ تسحّ مُنَسجمه
# قـد نَبَـحَ الكلـبُ ذكرهم سَّفهاً %~% و حقَّقـت فـي نفـاقـه الثُهُمَـهٔ
# هبْ من له فى قـديمه شرف %~% يَعَـدَ فـى بيـت ملكـه َجَمَهٔ
# يسـاجل العُـربَ فـى فصـاحتهـا %~% حتى يّساوي بلفظهـا کلمّهٔ
# یأکل کرائه بکایخه %~% لا يعـرف الصيلبــان والينمـهٔ
PageV00P051
# يقـول شعراً ثُقبح صـورته %~% أشبـه شـيءٍ بـريحـه القتمـهٔ
# كأنّ تمضيغه لمنطقه %~% زقاء هام تجيبها رخمّهٔ [۳۵ ب]
# تلكم قـريشَ رَهُـطُ النبـيّ أبـي ال %~% قـاسـم أقْـل الفخـار والعظمـة
# حـيٍْ لَقـاحَ لـم يَغْـزَْ دارَهُـمَ %~% مَلْـڭْ ولـم تَسْتَبَــحَ لهـم حَـرمَهُ
# هم الألى أخرجوك من أرض «كو %~% كيـن» بسيـفِ النكـال والنقمـهٔ
# حتی سقوا منك بالکتاب وبال %~% شُنَّـةِ والعَـدْل أنفسـاً رَخَّمهُ
# شعرك هـذا يغيظ سـامعـهٔ %~% والغيـظ داءُِ لئـ مـن كلمهٔ
# أقسـمُ بـاللَهِ لـو تَفَهَمَهُ ال %~% قـائمٌ من مُنْشْـدهِ لَـرَّضَ فمَـه
# ابُطَلْـت مـا لاسـارةل بـأمّكـم %~% ولا لكـم فـي ولادهـا نسَمَـهُٔ
# أولادُ إسحـاق لـم تكـن لهـم %~% قُطْـرْبُـلُ مَـربعـاً ولا الاَجَمَـهُ
# لقـد أبـى اللّـهُ أنْ يكـون بهـا %~% من نَسْـلِ إسحاق نافخُ ضرَّمَهُ
# فـإن تكـن هـاجـرُ لسـارة ذا %~% ت الفضـل والـديـن والكمـالِ أمۀ
# فليس مُسْتكبَـر ولا عَجـبّْ %~% أنّ يفضلَ العبـدُ كـلَّ مـن خَـدَّمهُٔ
# هـذا بـلالٌ قـد سادّ يِيدَهُ %~% أميَـةً بـالقـران واصطلمهٔ [۳٦ آ]
# وقـد رأت هـاجرٌ بمقلتهـا %~% جبريل في الأرض حـاسراً قَـدَّمهُ
# فـارفَّضت الأرض بَغْـدَ ركضتهِ %~% تجري مَعيناً من نُطْفَة شبمّهٔ
# منَـاً مـن اللَّـه لابنهـا سيّـد ال %~% عـالم ذي المكـرمـات والعَظْمَـهُ
# (1١() %~% وصفـوة الحـقّ رغـم من رَغْمَّـهُ
# وقـد فَـداهُ الإلـه فـي شـرف ال %~% موقف من غرب سفره خَُـذمهٔ
# دلَّ عليـه القــرانَّ والسيـد ال %~% مرسل في قوله فتلت: لههٔ
# وكُلٌُ من خـالـف الرسـول علـى %~% تفضيله أهلـهِ فَتتـد ثلمّـهٔ
# يم هجـوت الأنصـار قـاطبـةً %~% عمرو بن عـوف والغرّ من سَلَمهٔ
# هــذا مَقـالٌُ يـدلْنـي أنّ فـي %~% قلبك نـاراً للـديـن مُضطرمهٔ
# ولست مـن يعـرب ولا السـا %~% سان ولامن () (٢) عظمه
# فاقنَ حيـاءٌ ودَغْ مفـاخُرَّةً %~% تُلقيك بيـن الضراغـم الضَعْمـهُ
PageV00P052
# واحـذر إمـامَ الهـدى فـإنّ لـه %~% سيفاً حطـاماً يـزلزل الحطمـۀ
# لـولا بعثـت بـه فـأنت له %~% -واللّه يُبقيه - لقمة دَسمَهٔ [۳٦ ب]
# إن سيـوف الأنصـار مـا بـرحتْ %~% في اللّه مـن ذي الضَّـلال مُنْتَقمهُٔ
# كم سَفَكَت من دمـاءِ ذي حنـقٍ %~% مثلـك والحـربُ جـدُ مُحتَّـدمه
# فشعـركُ الغـثُِ جـالـث تَلَفا %~% والغـثُ لا يَشتَهيُـهِ مَـنْ أجمه
# وجَهَڭِ وَجـهُٔ تـركيبـهُ سَهِج %~% َيَـوَفَقَُ اللَـهُ كـلَّ من لَطَْمَه
# للَّـهِ خَـفَ وافَشْـكَ صَكَتَـهُ %~% كموجة بالعُباب مُلَتَطْمَّهُ
# من حسـن لاعـدمت صفعَتَّـهُ %~% يلجـم بـالكـف هـامةً لحمه
# رأسك ركـنُّ علـى الـزمـان له %~% فطـافَ سُبُْعاً بـالـركـن واستلمه
# قـد وَضـع الشـيءَ منـه مَـوْضعَه %~% لا أعــدم اللّـهُ هـاشمـاً نعمَه
# سرّ بهـا السيّـد الإمـام كمـا %~% سَّرُ بها في قصوره حَشمَهٔ
# صلّـى عليـه الإلَـه مـن مَلَـليِي %~% قلاعٔد الملك منه منتظمهٔ
# لو عـاش حتی تراه هـاجيّهٔ %~% وهـاجي المصطفـى أبـاح دمّـهٔ
# غضبـهُ للَّه والرسـول ول %~% قـائم فافرد ولا تكـن لـومه
# تركـت جهلاً وجوه أهلك من %~% بعدك عند الملوك كالحممة (١) [۳۷آ]
# قال أبو بكر: وأنشدني طلحة بن عبيد اللّه بن طاهر لنفسه قصيدةً في هذا الروي يهجو به
~~بحيى بن علي المنجم وأهله، تركتُ كِتابّها، وذكرها لسّفهِ كبير تعرّض بيحيى بن علي بن
~~المنجم من أن يحقق أمره، وأنّ الشعر له (٢).
# تعاهدتك العهـاد يـا طَلـل %~% حَدَث عـن الظـاعنيـن مـا فعلـوا
# فقـال لم أذر غيـر أنهم %~% صاحَ غُرابُ بالبینِ فاحتملوا
# وقال منها :
# فلـم تَزَّلُ تخبـط الفـلاة بـأخفـا %~% ف المطـايـا والظـلُّ مُعْتَـدلُ
# کأنّما طار تحتنا قَزَعْ %~% علـى أثُـفُ الـريـاح يَنَتقـلُ
# حتى تَبَــدَّت في الفجـر ظعثُهُـم %~% وسائق الليـل ٢١٠ بالـدجى عجل
PageV00P053
# وفـوقهـَ البـدورُ تحجبِّهـا %~% هـوادجٌ تحـت رقمهـا الكلّـل
# فلـم يكن بيننـا سـوى اللخظ وال %~% دمع كلامُ لنـا ولا رُسْـل
# هـذا لهـذا فمـا لـذي إحَـن %~% ايَدُسٌُ لی كيده ويحتبلُ (۲) [۳۷ ب]
# وإن حضـرتُ النَـدِيَ وَكَّـلَ بـي %~% لحظـاً بنئـل الشحنـاءِ ينتضـل
# يا ويله مـن وثـوب مُفْتـرس %~% رُبًَ فـراغ ٢١١ من تحتـه عَمَـل
# استَبْـقِ حُلمـي لا ثُقنهِ أشرا (٩
# تنكر حلمـى (٥) إذا تـلاحـق نق %~% فبعـد حلمـى لأمَـكُ الثُكـلمُ %~% عـانِ وأبـدي أنيـابَـه الأَجَـلُ
# وقد تردّيّت بابن صاعقة %~% أخضر ما فـي غـراره فَلَـلُ
# كم عـداة أبــادَّهم غضبي %~% فلم يُقَل (٦) أيـن هم وما فعلـوا؟
# قال أبو بكر: فَقال يحيى بن علي شعراً على اللامِ في وزن شعر ابن المعتز يفخرُ بالعجم (٧)
# بمسکن من آل کسری طلل %~% عَفِيْـه الـروامـسُ حتـى مَحَـل
# يدُلّك دارس آیاته %~% علـى أنّـهٔ لملـوٍ نبُّـل
# لهم كـان يُجبـى خـراجُ البـلا %~% د وحسبّك من شاهدٍِ بالمحل
# وكم قـد رأينا ملـوكاً لهم
# وهـاج هجـانـا بـلا عِلْـةِ %~% لهم أثـرُّ معهـم فـاضمحـل
# فلـم نَعْـفُ عنـه ولـم نَهُجُـه %~% وهل يطلبُ الشعرّ إلاّ العللّ [۳۸ آ] %~% ولكـن أريناهُ كيـفَ العَمَـلنْ
# ليحسـنّ مـا كـان منـا عليـه %~% فيخشى مصـارع سـوءُ الـزَّلـل
# فـلا يَستحلـنَ أعراضنـا %~% فقد حرمّ اللّهُ مـا قـد أحَـل
# يَـؤمَـل بـالشعـر أن يـدرك ال %~% خلافة لا نـال ذاك الأمّـلُ
# فيا ليت خالقهٔ قدرّماه %~% من دون ما نرتجي بالأجَل
PageV00P054
~~وهي أكثر من هذا. وممّا هجاه به عبد اللّه بن المعتز فلم يجبه عنه قوله : (١
# أَيْغْـدَ البَيْـنِ صَبَـراً أو هجـودا %~% أبَـىَّ ذاك التفكـر والسهـود
# فشجّب فيها تشبيباً طويلاً ثم قال :
# عجبـت لنابح مَنَتْهُ نَفُــسْ %~% مُـراداً دُونَـهُ أَمَـدٌ بعيـدُ
# ألـم يعلـمَ بـأَنّـي سيـف فهر %~% وفَـرْدُهُـم إذا ذُكِـرَ العـديـدُ
# ألم يعلـم بـأنّي المـوت بـأسا %~% اله فـى كٔـلّ جـارحـةِ ورود
# ألم يعلـم بـأنـي الغيـث جـوداً %~% إذا ما لم يكنّْ للغيثِ جُود [۳۸ ب]
# أخو مجـدٍ قصيرُ الـوعـد مُجـلٍ %~% يَصـحُ الـوعـد منـه والـوعيـدُ
# نمتنـي للـرفيـع مـن المعـالـي %~% جـدودٌ لا يُعَـدَ لهـا نَـديـد
# لهم تسخح السحـاب إذا استُّميحـوا %~% وسَطـو المـوتِ والأبطـالِ چيـد
# أبّـوا أن يَلَبَسَـوا للحـرب درعـا %~% عليهم مـن يقينهـم (١١ حديـد
# اذا عـادّوا فـأعمـار تفـانـي %~% وإن وَدُّوا فـأعماتـزيـد
# إذا خـاضـوا الكـريهـة كشَّفوهـا %~% بضَـرّب لا يمـانِعَـه وَريـدَ
# فـإن أنكـرتـم مـن ذاك أمـرا %~% فـأطـراف الـرمـاح لهم شهـود
# صبيحـةً يـوم ذي قـارٍ وأنتـم %~% قتيـلٌ أو جريحُ أو شريـد
# كسـاهـم ذلـك الإصبـاحَ ليـلاً %~% طـويـل العُمـر ليـس لـه عمـودُ
# وَذْلاً بـاقياً أبـداً مُقيما %~% لكم مـا اخضرّ في غبراء عُـودُ
# ويـوم القـادسيـة لـو تحـامُـوا %~% علـى أهـل وَاِلْهَيُجـا وقـود
# أتسمـوا للفّخـار وأنـت قـرد %~% ومـا بـالمجـد يفتخـر القـرود
# هجـوت محمـداً فكنيـتَ عنـه %~% كما يُكني عن الحسّدِ الحسودُ (٤)[ ۳٩ا]
# فَخردت بفـارس ستفهـا وَجهـلاً %~% ی ٔنّك من مرازبها تلید
# نبيط يـدّعـون إلـى مجوس %~% فـلا كـانَ المُسَـوَدُ والمسـود
PageV00P055
# فغـايـة فخرهم نيَڭ لأم %~% ونيـران لهـا منهـم سجـودُ
# طهورهم إذا غالـوه بـولٌ %~% وأكثرهـم إذا افتخـروا زَهيـدُ
# فَخَرْت بأنّ جدّك کان کسری %~% ولم يُتـرك لكسـراكـم وليـد
# وكـان أبـوك فـي دكيـن (١١ كلبـاً %~% يقـادُ علـى البغـاءٍِ ولا يفيـد
# يبيعُ الشُـرَّبَ خمراً يصطفيـه %~% له كـوب ومبزالُ عتيـد
# ألسنا خير من يرجی نداه %~% أليسن بمـدحنا يزهـى القصيـد
# وأنتم يـا كـلابُ لنـا عبيـدٌ %~% فـلا تفخر فـإنكـم عبيـد
# أليس المصطفـى منـا فحسبـي %~% به فخراً وما فيـه مـزيـلدُ
# به طلَعَت نجـوهُ الحـق سَعـدا %~% ويُنيّـت الشـرائــع والحـدودَ
# وفـارسنـا علـيّ ذو المعـالـي %~% هناك الفضـل والفخـر الـرشيـد
# وأوّل مـؤمـنِ وأخـو نبّـي %~% ومَيَمَونِ نَقيبثـه سعيـدُ
# وحمزةً سيد الشهـداء منـا %~% وعبـاسره وجعفـهٔ الشهيـد
# نجومُ ما تَخَـوَّنَّهـا أفـولُ %~% زواهر مـا يفـارقهـا (٢) أسود
# فلـو كان الخلـودُ لـذى افتخـار %~% وذي مَجـدِ لكـان لنـا الخلـودُ
# وهـذا الفخـر والحسّـبُ التليـد %~% وهـذا المجـد والسَغـى الحميـد
# قال أبو بكر : وفي آخر ما أنشدناه ابن المعتز قوله : (٣
# حسبي مكاني في أسرةِ کرّمت %~% فـی عَـدَُهـا أَخمّدُ وجبـريـل
# وزمزه ركضه المـلائـك والط %~% يـره ذواتُ الحصـا الأبــابيـل
# وكلّمـا أجدب الـورى فبنـا %~% صرار خلـف السمـاءِ مخلـولُ
# وبيـن أبيـاتنـا بمكـة بيـت اللّ %~% هوِ لم يُبّـن مثلنـه جيـل
# لا مثـل بيـتِ يهـذي مُزمزمه %~% الـم يُـدر [منه] (٢٤) قالَ ولا قيـلُ
# ويُكـرم المـاء عـن تطهـره %~% فـالبـولُ منه بـالبـول مغسولُ
# ومن مطيـاتنـا البُــراق إذا %~% مَمْلَـجُ تحـت الأكـاسـر الفيـلُ
PageV00P056
# يخلـف فـي أَمّـه أبـاه بمـا %~% الم تستتطع منعه السراويلٌُ
# ومن أخر ما أنّشَدْنية يحيى بن علي في ابن المعتز بعد أخذ ابن المعتز:
# ۱ - بعد أن شـادت الأعـاجـم بيتي %~% يزعم ابـن المعتـز أنـا نُبيـطُ
# ۲ - هو أيضاً من هـاشم غير إلاّ %~% يستـوي حَُبْـلُ قَنَّـب وشريـط
# ٣- بايعوهٔ فلم يكن عنـدهُ الأيّ %~% سـولُ إلا التقعيـر والتمطيـط
# ٤ - ثم ولی من زَغْقّـةِ ومحامو %~% * ومَـنْ خَلْفهِـم بهـم تضـريـط
# ٥ - رَافضيّون تـابعـوا أنّْصَبَ الأمّ %~% ة هـذا لعمركً التخليط
# قال أبو بكر: فكان علي بن محمد بن بسام إذا لقيِّ رجلاً من الجلساء يقول: إليكم انتهى
~~الشعريا خجلساء! وفيكم الذي يقول :
# ثم وَلَـى مِنْ زَعْقَـةِ ومحامو %~% ه ومَـنْ خلفهـم بهـم تَضْريُـطُ
# واللّه لو حسَنَ له أن يستّخفتَ إذا لقي قائل هذا الشخف به ..
~~قال أبو بكر : ولمّا خَلِعَ على ابن الفرات للوزارة في يوم الاثنين لثماني ليالٍ بقينَ من شهر
~~ربيع الأول، وركبَّ [٤٠ ب] الناسُ مَعَّهُ إلى داره بسوقِ العطش في إطلاق جماعة، فأذنّ له
~~المقتدر باللّه في ذلك فخلّى طاهر بن علي، ونزار بن محمد، وإبراهيم بن أحمد الماذرائي،
~~والحسن بن عبد اللّه الجوهري المعروف بابن الجصاص، ووضع العطاء للغلمان والأولياء الذين
~~كانوا مع المقتدر باللَّه صلة ثانية للفرسان ثلاثة أشهر، وللرجالة ست نوائب، ووَلّى مؤنساً الخازن
~~شرطة الجانبين ببغداد وما يليها، وتقدم إليه بالنداء على محمد بن داود بن الجراح ويمن ومحمد
~~الرقاص، وأن يبذل لمن جاء بمحمد بن داود بن الجراح عشرة ألف دينار، فنودي عليهم، وظفرَ
~~يقوم منهم، فقّتل بعضهم، وعفي عن بعض، فالذين قتلوا محمد بن داود بن الجراح، ومحمد بن
~~عبدون، وأبو المثنى القاضي، وخطارمش، ووصيف بن صوارتكين وغلام له مشهور بالشجاعة،
~~ويمن غلام المكتفي باللَّه.
~~ونَقّبَ القرامطة الذين كانوا في الحبس الحديد ثقوباً كثيرة [٤١ ا] وأعانهم قومُ، من الرفوع
~~(كذا) ليخرجوا، ففطّنُ بهم، فحضر مؤنسٌ فرماهم بالسهام وقتل نحوا من خمسين منهم . وخّلِع
~~على عبد اللّه بن محمد بن أبي الشؤارب لقضاء جانبي بغداد وقَدِمَ عبد اللّه بن إبراهيم المسمعي
PageV00P057
~~بكتاب ابن الجرّاح، فأخدَّ، وحُبَسَ ثم أطلقه ابن الفرات. وقلّد الوزير علي بن محمد أخاه
~~جعفر بن محمد ديوان المشرق والمغرب وأشاع أنّه يخلفه عليهما. وقلّد نزار بن محمد الكوفة
~~وطساسيجها، وعزل عنها المسمعي في غرة ربيع الآخر، ثم عزل نزاراً وولى الكرفة
~~الطولوني .. وحدر أبا الحسن علي بن عيسى الجراح إلى واسط فوكل به هناك، ثم رُدّ إلى
~~بغداد. وخلع على أبي الأغر خليفة بن المبارك السّلمي لغزاة الصائفة. وعظُمَّ أمر اسوسن»
~~الحاجب غلام المكتفي باللّه وتَجَبَر، وأتى من الجهل بما لم يأتِ بمثله أَحَدٌ قبله، واتهمه
~~المقتدر باللَّه فوجّه إليه: خُذّ من الرجال ما شئت ومن السلاح [٤١ ب] ما شئت وَلي من
~~الأعمال ما شعت، وخلّ عن الدار حتى نُولّها من تُريد فأبى، وجعل يقول: أمرهُ أخَذْتُهُ بالسيف
~~لا أسلمه إلا بالسيف. فاحكم الأمر عليه ابن الفرات مع المقتدر باللّه، وكان يدخل الميدان
~~ومعه جماعة من غلمانه وأصحابه يستظهر بهم، فدخل يوما الميدان وتعالل «صافي الحرمي»
~~وترك «سوسن» وجلسَّ في رُواق في طَرّفِ الميدان، فنزل «سوسن» ليعوده، فوثب إليه جماعة
~~من الغلمان والخدم، فأخذوا سيفه، وأدخلوه بيتاً، ولمّا سمع بذلك من كان معه تفرقوا،
~~وقبضَ على كاتبه أنوس بن خيرهان النصرانى، وكان كثير التسّمُحب على ابن الفرات، فمات
~~سوسن و أنوس کاتبه بعد أیام.
~~وقلّد الحجبة أبو القاسم نصر القشوري، وضمّ إليه من كان مضموماً إلى سوسن وكان
~~«نصر» من أهل الفضل والعقل، وكان النصارى قد علا أمرهم في آخر أيام العباس بن الحسن، لأنّ
~~ثُتابه كانوا نصارى وغلبوا عليه ، [٤٢ ا] فمنهم ابن نفاح كان أشدّهم تقدماً عنده، ومنهم أنوس
~~كاتب سوسن، ومنهم أبو بشر وكان إليه أمر صناعة () (١) وغير هؤلاء، فرُفع إلى المقتدر
~~باللَّه في أمرهم فأمرَّ فيهم بأمور عظيمة، وقال : الأوفق في استعمالهم أن يكون ذلك للطب
~~والجهبذة، وكتب كُثُباً إلى الآفاق بقريب ممّا كانت الكتب نفذت في أمورهم في أيام المتوكل
~~على اللّه، وقيلت في ذلك أشعار فقال سوار بن أبي شراعة من قصيدة (۲) :
PageV00P058
# وعـامـل ( ) (١) العلـْٔ %~% إليـه مظـالمنـايـرفـعُ
# فمـن شـاء() (٢) لم يشأ %~% تعَــدَّى عليـهِ وقـال اصنعـوا
# وذكـرُ النبـيّ عليـه السـلام %~% مـن كثبـهِ أبـداً يثــزَعْ
# وأيّ بــلاءِ علـى المسلميـن %~% أعظم مـن ذا ولا أشنَـع
# رَضيـت لكـم بصروف الـزمان %~% ففيهـا لـراضٍ بهـا مَقَنَـع ٣٠
# في شعر طويل.
~~ونُفي علي بن عيسى في شعبان سنة ستِ وتسعين [٤٢ ب] ومائتين إلى مكة باختيار مكة
~~ذلك، وطلب من ابن الفرات أن يُخلّصه.
~~وفي شعبان أيضاً توفي محمد بن عبدون، فدفع إلى أهله فدفنوه وورد الخبرُ بأنّ القائم
~~بالقيروان من آل أبي طالب واقّعَ هبة اللّه بن الأغلب فهزمه، وأخرجه من القيروان
~~وملكها، وأنّ ابن الأغلب قد صار إلى مصر منهزماً، ثم وردت كتب ابن الأغلب إلى السلطان
~~بذلك. وأمر المقتدر باللَّه فخلع على يُسر الأفشيني، وولّي ثغر طرسوس، وخرج معه خَلْقٌُ من
~~الناس. ووافت إلى المقتدر باللّه هدايا من فارس أنفذها سُبُكري غلام عمرو بن الليث، وكان
~~في الهدايا فيل وهَنَأه بالخلافة. وأحبّ صافي الحرمي ألاًَ يجاوره مؤنس الخادم ببغداد، فأشار
~~على المقتدر باللَّه أن يغزيه الصائفة، وواطأ على ذلك الوزير ابن الفرات، فأمره بذلك وضمَّ إليه
~~خليفة بن المبارك أبا الأغرّ السّلمي، فخرج ومن معه، فلم يحمده مؤنس فانصرف [٤۳ آا،
~~فذمه وكان خليفته بملطيّه. فكتب قومُ بأنه يريد العصيان فَقُبلَ ذلك فيه لما قَدَّمهُ مؤنس من ذمّة .
~~فكتب إليه بالانصراف إلى الحضرة وحّبس، وأجمع الناسُ لا خلافَ بينهم أنّه ليس في وقت أبي
~~الأغرّ فارسُ من فرسان العرب ولا العجم أشجع منه، ولا أمضى عند جزع وَوَهَلِ، وأنه يجمع
~~إلى ذلك أيداً وجَلَّداً . قال أبو بكر : كنمُ أسمعُ ذاك من أفواه شجعان الوقت وفرسانهم. وطلب
~~المقتدر باللَّه جوهراً من جوهر الخلافة، فَحمل إليه فَقَسَمَهُ في أوّل خلافته على الحرم، وَوَجَهُ
~~إلى وزيره العباس بن الحسن، بنصيب منه ودفع إلى صافي الحرمي شيئا منه فردَّ العباسُ ما وَجّه
~~إليه به وكتب إليه أن هذا الجوهر ( )(٤) وعدّة الخلافة، وأنّه لا يصلح أن يفَرّق، فكان
~~اذلك أوّل ما تُقّل على قلبه.
PageV00P059
### || سنة ست وتسعين ومائتين
~~قال أبو بكر : قد ذكرنا أكثر ما فيها من [٤٣ ب] الأحداث فلا حاجة بنا إلى إعادة ذلك
~~وكان فی هذه السنة ممّا لم يُذكرُ، سقوط ثلج عظيم ببغداد حتى صار نحو شبر في الأرض، ث
~~جمعه الناس ونحوه عن الطريق، فبقى أياماً كثيرة لا يذوب وسوّاه الناس تلولاً فی طريق بينهم
~~وفيها وَلَي «بارس» غلام إسماعيل بن أحمد ديار ربيعة، وخلعَ عليه وأخرج إليها. وقد
~~كان قبض على محمد بن يوسف القاضي، وعلى جماعة من القواد والكتاب المخالفين،
~~وسلُّموا إلى الخازن (١) ثم أطلقوا وأطلق كلّ واحدٍ منهم بسبب، فلم يتلف إلاَ من ذكرنا تَلَّفَهِ
~~قبل . واحتال ابن الفرات في أمر الحسين بن حمدان بعد أن أخرج إليه من الحبس قوماً منهم
~~أخوه عبد اللّه بن حمدان فانحاز عنهم، فأخرجه على معونة «قّم» ووجّه إليه بخلع.
~~وفيها مات أحمد بن يحيى الخلواتي المحدَّث، وذلك في يوم الخميس لثمانى ليال خلونّ
~~من جمادى الأولى وسنّهُ خمس وتسعون سنة ويُكنى أبا جعفر اودُفنَ بالشونيزية! وفيها أمَرَ
~~[ ٤٤ ا] المقتدر باللّه بتجديد المصلّى العتيق الذي [في] باب خراسان وإبطال الذي كان يلي دار
~~الخلافة، فجدَّد وأعيد إلى ما كان عليه في متقدم الأيام، وخرج إليه الناس في يوم الفطر،
~~وركب إليه ابن الفرات ومعه القواد في أحسن زي وأجمل () (٢)، وركب إليه أيضاً
~~[الخليفة] (٣) في يوم النحر ومعه القُّواد، ثم انصرف فدخلتُ إليه فأنشدته:
# بـالعـزّ والتـأييـد والنصـر %~% ونعمةٍ تبقـى علـى الـدَّفر
# غـدوت نحـو العيـد مستبشراً %~% كالبدر بيـن الأنجم الـزّْهـر
# لازلت تبقى مائـة مثله %~% مُـواصـلاً فِطْــراً إلـى نَحُـرِ
# تدعو لك الناسُٔ بحسن الـذي %~% أولَيتَهُـم فـي العَشـر واليُشْـر
# تبهٌ عَدلاً بينهم شاملاًا %~% فبـدوهـم في الأمـن كـالحضر
# ضحگفت لما نحروا يُـدنَهُم %~% بـالفيضَـة البيضـاء والتبــر
# عـادّ بك الـدهرُ إلـى حسّنه %~% وانتصـف العُـرّفُ مـن النُكْـر
# لسّـاعة مـن دهرك المرتضى %~% خيرٌ لمن يَعْقلٌ من شَهرِ [٤٤ ب]
# بلَغـت بـالتـوفيـق والرأي مـا %~% قـد كـان محجـوباً عـن الفكر
# فـتّ ملـوك الأرض لِمّـا جَرَّوا %~% واستفرغوا الجهـد ومـا يجـري
PageV00P060