forked from OpenITI/barzakh
-
Notifications
You must be signed in to change notification settings - Fork 0
/
Copy path0629CabdLatifBaghdadi.IfadaWaIctibar.LAL2021040601-ara2
1943 lines (1924 loc) · 192 KB
/
0629CabdLatifBaghdadi.IfadaWaIctibar.LAL2021040601-ara2
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604
605
606
607
608
609
610
611
612
613
614
615
616
617
618
619
620
621
622
623
624
625
626
627
628
629
630
631
632
633
634
635
636
637
638
639
640
641
642
643
644
645
646
647
648
649
650
651
652
653
654
655
656
657
658
659
660
661
662
663
664
665
666
667
668
669
670
671
672
673
674
675
676
677
678
679
680
681
682
683
684
685
686
687
688
689
690
691
692
693
694
695
696
697
698
699
700
701
702
703
704
705
706
707
708
709
710
711
712
713
714
715
716
717
718
719
720
721
722
723
724
725
726
727
728
729
730
731
732
733
734
735
736
737
738
739
740
741
742
743
744
745
746
747
748
749
750
751
752
753
754
755
756
757
758
759
760
761
762
763
764
765
766
767
768
769
770
771
772
773
774
775
776
777
778
779
780
781
782
783
784
785
786
787
788
789
790
791
792
793
794
795
796
797
798
799
800
801
802
803
804
805
806
807
808
809
810
811
812
813
814
815
816
817
818
819
820
821
822
823
824
825
826
827
828
829
830
831
832
833
834
835
836
837
838
839
840
841
842
843
844
845
846
847
848
849
850
851
852
853
854
855
856
857
858
859
860
861
862
863
864
865
866
867
868
869
870
871
872
873
874
875
876
877
878
879
880
881
882
883
884
885
886
887
888
889
890
891
892
893
894
895
896
897
898
899
900
901
902
903
904
905
906
907
908
909
910
911
912
913
914
915
916
917
918
919
920
921
922
923
924
925
926
927
928
929
930
931
932
933
934
935
936
937
938
939
940
941
942
943
944
945
946
947
948
949
950
951
952
953
954
955
956
957
958
959
960
961
962
963
964
965
966
967
968
969
970
971
972
973
974
975
976
977
978
979
980
981
982
983
984
985
986
987
988
989
990
991
992
993
994
995
996
997
998
999
1000
######OpenITI#
#META# العنوان: كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر
#META# Title (EN): A Physician on the Nile
#META# المؤلف: عبد اللطيف البغداديّ
#META# Author: ʿAbd al-Laṭīf al-Baghdādī
#META# المحقق: تيم ماكنتوش-سميث
#META# Editor: Tim Mackintosh-Smith
#META# Publisher: New York University Press
#META# Place of publication: New York
#META# Witness: Oxford Bodleian Library Arabic 960
#META# Editorial declaration: LAL Arabic texts are based upon original manuscript research. For each text, a base manuscript is selected, and notable variants from other consulted manuscripts provided. Details of the manuscripts are provided in the source Desc; the first manuscript listed therein in the base. Arabic ḥarakāt other than shaddah are only provided for disambiguation of possible readings or for unusual words; however all shaddahs except those arising from the assimilation of the definite article are included. Orthography may be standardized to modern style.
#META# Editorial declaration: Texts are divided into numbered sections, which in the bilingual version are used to align the Arabic text with the English translation. The majority of manuscripts will not, of course, have been written with modern paragraph structures: the division of the text into such is for readability and to align with the translation, and is entirely the choice of the editor(s).
#META# Editorial declaration: The unique manuscript of this text, held in the Bodleian Library, Oxford (numbered Arabic 960, accession number Pococke 230), consists of i + 70 folios, 13 lines to the page, and is quite possibly in ʿAbd al-Laṭīfʼs hand. It is neatly and often beautifully written, with generous voweling and almost no lacunae. Some of the interlinear and other notes are, however, harder to read, simply because of their small size.
#META# Editorial declaration: I have worked from a digital scan of the manuscript, but was eventually also able, in October 2019, to examine the original. The examination cleared up a few small queries, and also enabled me to read with more confidence two early ownership inscriptions in the lower left-hand corner of the title page.
#META# Editorial declaration: In preparing this edition, I have incorporated or placed in footnotes all marginalia and all sub-, supra-, and interlinear additions that I regard as authorial. I have also attempted to clarify any obscurities for twenty-first-century Arabic readers. To that end, I have standardized orthography where necessary. A recurring (if minor) problem is that ʿAbd al-Laṭīf does not dot the first letters of many imperfect and similar verbs.
#META#Header#End#
### | 0
### || 0.1
[0.1]
# كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر
~~تأليف الفقير إلى الله عز وجل عبد اللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي وفقه
~~الله لطاعته
# بسم الله الرحمن الرحيم
[0.2]
# الحمد لله رب العالمين وصلواته على خاتم النبيين محمد النبي العربي وعلى
~~آله الطاهرين، وبعد فإني لما أنهيت كتابي في أخبار مصر المشتمل على ثلاثة
~~عشر فصلا رأيت أن أفرد منه الحوادث الحاضرة والآثار البادية المشاهدة إذ
~~كانت أصدق خبرا وأعجب أثرا وأن ما عداها قد يوجد بعضه أو كله في كتب من سلف
~~مجتمعا أو مفترقا فألفيت ذلك في فصلين منه فجردتهما وجعلتهما مقالتين في
~~هذا الكتاب وزدت ونقصت بحسب ما اقتضته الحال رجاء أن يخف إنهاؤه ويلطف
~~موقعه عند عرضه على صاحب الأمر وإمام العصر إمام الأنام ومفترض الطاعة
~~بموجب شريعة الإسلام خليفة الله في أرضه ومنتهى مقر وحيه والقيم على العالم
~~بإمضاء أمر الله تعالى فيهم ونهيه سيدنا ومولانا الإمام الناصر لدين الله
~~أمير المؤمنين ذي المواقف المقدسة النبوية الطاهرة الزكية الممجدة المعظمة
~~الإمامية الباهرة أنوارها الزاهرة آلاؤها لئلا ينطوي عن العلوم الشريفة شيء
~~من أخبار بلاده وإن تراخت أو يخفى بعض أحوال رعاياه وإن تناءت وليعلم حفدة
~~سدته وخواص دولته والعاكفون بحظيرة قدسه والطائفون بحرم كعبته مقدار ما
~~يدافع الله تعالى عنهم به فيزدادوا لله تعالى شكرا ليزيدهم بدوام دولة أمير
~~المؤمنين عليهم فضلا @QUR@06 {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} .
[0.3]
# وعلى العبد التقرب بالإنهاء وإن كانت العلوم النبوية إليها الانتهاء فإن
~~الله سبحانه تعبد أن يدعى جهرا وإن كان يعلم السر وأخفى ليظهر على الجوارح
~~ما تكن الضمائر فيكمل للمرء المسلم مراتب الإيمان الثلاث عقد بالقلب وقول
~~باللسان وعمل بالجوارح. جعلنا الله ممن ترقى إلى هذه الدرجة في طاعته بطاعة
~~خليفته في أرضه صلوات الله عليه وعلى الخلفاء الراشدين من قبله وعلى سيد
~~المرسلين أفضل صلوة رب العالمين صلوة دائمة إلى يوم الدين.
### || 0.2 إحصاء فصول الكتاب
# [0.4]
# المقالة الأولى وهي ستة فصول
# * الفصل الأول في خواص مصر العامة لها
# * الفصل الثاني فيما تختص به من النبات
# * الفصل الثالث فيما تختص به من الحيوان
# * الفصل الرابع في اقتصاص ما شوهد من آثارها القديمة
# * الفصل الخامس فيما شوهد بها من غرائب الأبنية والسفن
# * الفصل السادس في غرائب أطعمتها
# المقالة الثانية وهي ثلاثة فصول
# * الفصل الأول في النيل وكيفية زياداته وإعطاء علل ذلك وقوانينه
# * الفصل الثاني في حوادث سنة سبع وتسعين وخمس مائة
# * الفصل الثالث في حوادث سنة ثمان وتسعين وخمس مائة
### | 1 المقالة الأولى وهي ستة فصول
### || 1.1 الفصل الأول في خواص مصر العامة لها
# [1.1.1]
# إن أرض مصر من البلاد العجيبة الآثار والغريبة الأخبار وهي واد يكتنفه
~~جبلان شرقي وغربي والشرقي أعظمهما يبتدئان من أسوان ويتقاربان بإسنا حتى
~~يكادا يتماسان ثم ينفرجان قليلا قليلا وكلما امتدا طولا انفرجا عرضا حتى
~~إذا آزيا الفسطاط كان بينهما مسافة يوم فما دونه ثم يتباعدان أكثر من ذلك
~~والنيل ينساب بينهما ويتشعب بأسافل الأرض وجميع شعبه تصب في البحر الملح.
[1.1.2]
# وهذا النيل له خاصتان الأولى بعد مرماه فإنا لا نعلم في المعمورة نهرا
~~أبعد مسافة منه لأن مبادئه عيون تأتي من جبل القمر وزعموا أن هذا الجبل
~~وراء خط الاستواء بإحدى عشرة درجة وعرض أسوان وهي مبدأ أرض مصر اثنتان
~~وعشرون درجة ونصف درجة وعرض دمياط وهي أقصى أرض مصر إحدى وثلاثون درجة وثلث
~~درجة فتكون مسافة النيل على خط مستقيم ثلاثا وأربعين درجة تنقص سدسا ومساحة
~~ذلك تقريبا تسع مائة فرسخ هذا سوى ما يأخذ من التعريج والتوريب فإن اعتبر
~~ذلك تضاعفت المساحة جدا.
[1.1.3]
# والخاصة الثانية أنه يزيد عند نضوب سائر الأنهار ونشيش المياه لأنه يبتدئ
~~بالزيادة عند انتهاء طول النهار وتتناهى زيادته عند الاعتدال الخريفي
~~وحينئذ تفتح التراع وتفيض على الأراضي وعلة ذلك أن مواد زيادته أمطار غزيرة
~~دائمة وسيول متواصية تمده في هذا الأوان فإن أمطار الإقليم الأول والثاني
~~إنما تغزر في الصيف والقيظ.
[1.1.4]
# وأما أرض مصر فلها أيضا خواص منها أنه لا يقع بها مطر إلا ما لا احتفال
~~به وخصوصا صعيدها فأما أسافلها فقد يقع بها مطر جود لكنه لا يفي بحاجة
~~الزراعة وأما دمياط والإسكندرية وما داناهما فهي غزيرة المطر ومنه يشربون
~~وليس بأرض مصر عين ولا نهر سوى نيلها.
[1.1.5]
# ومنها أن أرضها رملية لا تصلح للزراعة لكنه يأتيها طين أسود علك فيه
~~دسومة كثيرة يسمى الإبليز يأتيها من بلاد السودان مختلطا بماء النيل عند
~~مده فيستقر الطين وينضب الماء فيحرث ويزرع وكل سنة يأتيها طين جديد ولهذا
~~يزرع جميع أرضيها ولا يراح شىء منها كما يفعل في العراق والشام لكنها يخالف
~~عليها الأصناف. وقد لحظت العرب ذلك فإنها تقول إذا كثرت الرياح جادت
~~الحراثة لأنها تجيء بتراب غريب وتقول أيضا إذا كثرت المؤتفكات زكا الزرع
~~ولهذه العلة تكون أرض الصعيد زكية كثيرة الأتاء والريع إذ كانت أقرب إلى
~~المبدأ فيحصل فيها من هذا الطين مقدار كثير بخلاف أسفل الأرض فإنها أسافة
~~مضوية إذ كانت رقيقة ضعيفة الطين لأنه يأتيها الماء وقد راق وصفا ولا أعرف
~~شبيها بذلك إلا ما حكي لي عن بعض جبال الإقليم الأول أن الرياح تأتيه إبان
~~وقت الزراعة بتراب كثير ثم يقع عليه المطر فيتلبد فيحرث ويزرع فإذا حصد
~~جاءته رياح أخرى فنشفته حتى يعود أجرد كما كان أولا.
[1.1.6]
# ومنها أن الفصول بها متغيرة عن طبيعتها التي لها فإن أخص الأوقات باليبس
~~في سائر البلاد أعني الصيف والخريف تكثر فيه الرطوبة بمصر بمد نيلها وفيضه
~~لأنه يمد في الصيف ويطبق الأرض في الخريف فأما سائر البلاد فإن مياهها تنش
~~في هذا الأوان وتغزر في أخص الأوقات بالرطوبة أعني الشتاء والربيع ومصر إذ
~~ذاك تكون في غاية القحولة واليبس.
[1.1.7]
# ولهذه العلة تكثر عفوناتها واختلاف هوائها ويغلب على أهلها الأمراض
~~العفنية الحادثة عن أخلاط صفراوية وبلغمية وقلما تجد فيهم أمراضا صفراوية
~~خالصة بل الغالب عليها البلغم حتى في الشباب والمحرورين وكثيرا ما يكون مع
~~الصفراء خام. وأكثر أمراضهم في آخر الخريف وأول الشتاء لكنها يغلب عليها
~~حميد العاقبة ويقل فيهم الأمراض الحادة والدموية الوحية وأما أصحاؤهم فيغلب
~~عليهم الترهل والكسل وشحوب اللون وكمودته وقلما ترى فيهم مشبوب اللون ظاهر
~~الدم وأما صبيانهم فضاويون يغلب عليهم الدمامة وقلة النضارة وإنما تحدث لهم
~~البدانة والقسامة غالبا بعد العشرين.
[1.1.8]
# وأما ذكاؤهم وتوقد أذهانهم وخفة حركاتهم فلحرارة بلدهم الذاتية لأن
~~رطوبته عرضية ولهذا كان أهل الصعيد أقحل جسوما وأجف أمزجة والغالب عليهم
~~السمرة وكان ساكنو الفسطاط إلى دمياط أرطب أبدانا والغالب عليهم البياض.
[1.1.9]
# ولما رأى قدماء المصريين أن عمارة أرضهم إنما هي بنيلها جعلوا أول سنتهم
~~أول الخريف وذلك عند بلوغ النيل الغاية القصوى من الزيادة.
[1.1.10]
# ومنها أن الصبا محجوبة عنهم بجبلها الشرقي المسمى المقطم فإنه يستر عنها
~~هذه الريح الفاضلة وقلما تهب عليهم خالصة اللهم إلا نكباء ولهذا اختار
~~قدماء المصريين أن يجعلوا مستقر الملك منف ونحوها مما يبعد عن هذا الجبل
~~الشرقي إلى الغربي واختار الروم الإسكندرية وتجنبوا موضع الفسطاط لقربه من
~~المقطم فإن الجبل يستر عما في لحفه أكثر مما يستر عما بعد منه ثم إن الشمس
~~يتأخر طلوعها عليهم فيقل في هوائهم النضج ويبقى زمانا على نهؤة الليل ولذلك
~~تجد المواضع المنكشفة للصبا من أرض مصر أحسن حالا من غيرها. ولكثرة رطوبتها
~~يتسارع العفن إليها ويكثر فيها الفأر ويتكون ويتولد من الطين والعقارب تكثر
~~بقوص وكثيرا ما تقتل بلسبها والبق المنتن الدباب والبراغيث تدوم زمانا طويلا.
[1.1.11]
# ومنها أن الجنوب إذا هبت عندهم في الشتاء والربيع وفيما بعد ذلك كانت
~~باردة جدا ويسمونها المريسي لمرورها على أرض المريس وهي من بلاد السودان
~~وسبب بردها مرورها على برك ونقائع والدليل على صحة ذلك أنها إذا دامت أياما
~~متوالية عادت إلى حرارتها الطبيعية وأسخنت الهواء وأحدثت فيه يبسا.
### || 1.2 الفصل الثاني فيما تختص به من النبات
# [1.2.1]
# من ذلك البامية وهي ثمر بقدر إبهام اليد كأنه جراء القثاء شديد الخضرة
~~إلا أن عليه زئبرا مشوكا وهو مخمس الشكل يحيط به خمسة أضلاع فإذا شق انشق
~~عن خمسة أبيات بينها حواجز وفي تلك الأبيات حب مصطف مستدير أبيض أصغر من
~~اللوبياء هش يضرب إلى الحلاوة وفيه قبض ولعابية كثيرة يطبخ أهل مصر به
~~اللحم بأن يقطع مع قشوره صغارا ويكون طعاما لا بأس به الغالب على طبعه
~~الحرارة والرطوبة ولا يظهر في طبيخه قبض بل لزوجة.
[1.2.2]
# ومن ذلك الملوخية ويسميها الأطباء الملوكية ولعمري هي الخبازى البستاني
~~والخطمي أيضا نوع من الخبازى البري والملوخية أشد مائية ورطوبة من الخبازى
~~وهي باردة رطبة في الأولى تزرع في المباقل ويطبخ بها اللحم وهي كثيرة
~~اللعابية وتزرع أيضا بالشام قليلا ويطبخ بها عندهم في الندرة وهي رديئة
~~للمعدة لكنها تسكن الحرارة وتبرد ويسرع انحدارها لتزلقها. قال الإسرائيلي
~~رأيت نوعا ثالثا من الخبازى يسمى بمصر ملوخية السودان ويعرف بالعراق
~~بالشوشنديبا وقوته وفعله وسط بين الملوخيا والخبازى لأنه أقل غذاء من
~~الملوخيا وأكثر من الخبازى.
[1.2.3]
# ومن ذلك اللبخ وشجرته كالسدرة ريا نضرة وثمرته بقدر الخلال الكبار وفي
~~لونه إلا أنه مشبع الخضرة كلون المسن وما دام فجا ففيه قبض كما في البلح
~~فإذا نضج طاب وحلا وعاد فيه لزوجة ونواته كنواة الإجاص أو كقلب اللوزة
~~بيضاء إلى الغبرة وتكسر بسهولة فتنفلق عن لوزة ريا بيضاء لينة وإذا بقيت
~~ثلاثة أيام ضمرت وصلبت وكلما تطاول عليها الزمان اضمحل اللب وبقي القشر
~~فارغا أو كالفارغ غير أنه لا يتشنج بل يتقلقل اللب فيه لسعة المكان عليه.
~~وتجد في طعم اللب مرارة ظاهرة ولذعا يبقى أثره في اللسان مدة وقد حدست على
~~أنه أحد ضروب الدند الثلاثة فقد قال أرسطو وغيره إن اللبخ كان بفارس سما
~~قاتلا فنقل إلى مصر فصار غذاء. وقال نيقولاوس وأما اللبخ فقد كان في أرض
~~فارس قتالا فنقل إلى الشام وإلى مصر فصار جيدا مأكولا. وهو قليل غال وإنما
~~يكون في البلاد منه شجرات معدودات وأما خشبه ففي غاية الجودة صلب خمري
~~وأسود وهو عزيز ثمين وأهل مصر يحضرون اللبخ مع الفواكه والأنقال.
[1.2.4]
# وقال أبو حنيفة الدينوري اللبخ شجرة عظيمة مثل الأثأب إذا عظم وورقها
~~كورق الجوز ولها جنى كجنى الحماط مر إذا أكل أعطش وإذا شرب عليه الماء نفخ
~~البطن وهو من شجر الجبال. ثم روى عن رجل من صعيد مصر أن اللبخ شجر عظام
~~أمثال الدلب له ثمر أخضر يشبه التمر حلو جدا إلا أنه كريه جيد لوجع
~~الأضراس. قال وإذا نشر أرعف ناشره وينشر فيبلغ ثمن اللوح خمسين دينارا
~~ويجعله أصحاب المراكب في بناء السفن لبعض العلل. وزعم أنه إذا ضم منه لوحان
~~ضما شديدا وجعلا في الماء سنة التحما وصارا لوحا واحدا. وأكثر ما حكاه
~~الدينوري لا أعرف صحته.
[1.2.5]
# وقال ابن سمجون اللبخ يكون بمصر وثمرته جيدة للمعدة وقد يوجد عليه صنف من
~~الرتيلا وورقه إذا جفف قطع الدم ذرورا والإسهال شربا وفيها قبض بين. قال
~~وأما نوى ثمره فيزعم أهل مصر أن أكله يحدث صمما.
[1.2.6]
# ومن ذلك الجميز وهو بمصر كثير جدا ورأيت منه شيئا بعسقلان والساحل وكأنه
~~تين بري وتخرج ثمرته في الخشب لا تحت الورق ويخلف في السنة سبعة بطون ويؤكل
~~أربعة أشهر ويحمل وقرا عظيما. وقبل أن يجنى بأيام يصعد رجل إلى الشجرة ومعه
~~حديدة يسم بها حبة حبة من الثمرة فيجري منها لبن أبيض ثم يسود الموضع وتحلو
~~الثمرة بذلك الفعل وقد يوجد منه شيء شديد الحلاوة أحلى من التين لكنه لا
~~ينفك في أواخر مضغه من طعم خشبية ما. وشجرته كبيرة كشجرة الجوز العاتية
~~ويخرج من ثمره وغصنته إذا فصدت لبن أبيض إذا طلي على ثوب أو غيره صبغه
~~أحمر. وخشبه تعمر به المساكن وتتخذ منه الأبواب وغيرها من الآلات الجافية
~~وله بقاء على الدهر وصبر على الماء والشمس وقلما يتأكل، هذا مع أنه خشب
~~خفيف قليل اللدونة ويتخذ من ثمرته خل حاذق ونبيذ حاذ.
[1.2.7]
# قال جالينوس الجميز بارد رطب فيما بين التوت والتين وهو رديء للمعدة ولبن
~~شجرته له قوة ملينة تلصق الجراح وتفش الأورام ويلطخ على لسع الهوام ويحلل
~~جسأة الطحال وأوجاع المعدة ضمادا ويتخذ منه شراب للسعال المتقادم ونوازل
~~الصدر والرئة وعمله بأن يطبخ في الماء حتى تخرج فيه قوته ويطبخ ذلك الماء
~~مع السكر حتى ينعقد ويرفع.
[1.2.8]
# وقال أبو حنيفة ومن أجناس التين تين الجميز وهو تين حلو رطب له معاليق
~~طوال ويزبب وضرب آخر من الجميز حمله كالتين في الخلقة وورقه أصغر من ورق
~~التين وتينه أصفر صغار وأسود ويكون بالغور ويسمى التين الذكر والأصفر منه
~~حلو والأسود يدمي الفم وليس لتينه علاقة بل لاصق بالعود.
[1.2.9]
# ومن ذلك البلسان فإنه لا يوجد اليوم إلا بمصر بعين شمس في موضع محاط عليه
~~محتفظ به مساحته نحو سبعة أفدنة وارتفاع شجرته نحو ذراع وأكثر من ذلك
~~وعليها قشران الأعلى أحمر خفيف والأسفل أخضر ثخين وإذا مضغ ظهر في الفم منه
~~دهنية ورائحة عطرة وورقه شبيه بورق السذاب.
[1.2.10]
# ويجتنى دهنه عند طلوع الشعرى بأن تشدخ السوق بعدما يحت عنها جميع ورقها
~~وشدخها يكون بحجر يتخذ محددا ويفتقر شدخها إلى صناعة بحيث يقطع القشر
~~الأعلى ويشق الأسفل شقا لا ينفذه إلى الخشب فإن نفذ إلى الخشب لم يخرج منه
~~شيء فإذا شدخه كما وصفنا أمهله ريثما يسيل لثاه على العود فيجمعه بإصبعه
~~مسحا إلى قرن فإذا امتلأ صبه في قناني زجاج ولا يزال كذلك حتى ينتهي جناه
~~وينقطع لثاه. وكلما كثر الندى في الجو كان لثاه أكثر وأغزر وفي الجدب وقلة
~~الندى يكون اللثى أنزر ومقدار ما خرج منه في سنة ست وتسعين وخمس مائة وهي
~~عام جدب نيف وعشرون رطلا.
[1.2.11]
# ثم تؤخذ القناني فتدفن إلى القيظ وحمارة الحر وتخرج من الدفن وتجعل في
~~الشمس ثم تتفقد كل يوم فيوجد الدهن قد طفا فوق رطوبة مائية وأثفال أرضية
~~فيقطف الدهن ثم يعاد إلى الشمس ولا يزال كذلك يشمسها ويقطف دهنها حتى لا
~~يبقى فيها دهن فيؤخذ ذلك الدهن ويطبخه قيمه في الخفية لا يطلع على طبخه
~~أحدا ثم يرفعه إلى خزانة الملك… ومقدار الدهن الخالص من اللثى بالترويق نحو
~~عشر الجملة وقال لي بعض أرباب الخبرة إن الذي يحصل من دهنه نحو من عشرين رطلا.
[1.2.12]
# ورأيت جالينوس يقول إن أجود دهن البلسان ما كان بأرض فلسطين وأضعفه ما
~~كان بمصر وأما نحن فلا نجد اليوم منه بفلسطين شيئا البتة وقال نيقولاوس في
~~كتاب النبات ومن النبات ما له رائحة طيبة في بعض أجزائه ومنه ما رائحته
~~الطيبة في جميع أجزائه كالبلسان الذي يكون في الشام بقرب بحر الزفت والبئر
~~التي يسقى منها تسمى بئر البلسم وماؤها عذب. وقال ابن سمجون إنما يوجد في
~~زماننا هذا بمصر فقط ويستخرج دهنه عند طلوع كلب الجبار وهو الشعرى وذلك في
~~شباط ومقدار ما يخرج ما بين خمسين رطلا إلى ستين ويباع في مكانه بضعفه فضة.
~~وكأن هذه الحال قد كانت في زمن ابن سمجون وحكى عن الرازي أن بدله دهن الفجل
~~وهذا بعيد.
[1.2.13]
# والبلسان الدهني لا يثمر وإنما تؤخذ منه فسوخ فتغرس في شباط فتعلق وتنمي
~~وإنما الثمر للذكر البري ولا دهن له ويكون بنجد وتهامة وبراري العرب وسواحل
~~اليمن وبأرض فارس ويسمى البشام.
[1.2.14]
# ويربى قشره قبل استخراج دهنه فيكون نافعا من جميع السموم وأما خواصه
~~ومنافعه فالأليق بها غير هذا الكتاب.
[1.2.15]
# ومن ذلك القلقاس وهو أصول بقدر الخيار ومنه صغار كالأصابع يضرب إلى حمرة
~~خفيفة يقشر ثم يشقق على مثل السلجم وهو كثيف مكتنز يشابه الموز الأخضر الفج
~~في طعمه وفيه قبض يسير مع حرافة قوية وهذا دليل على حرارته ويبسه فإذا سلق
~~زالت حرافته جملة وحدث له مع ما فيه من القبض اليسير لزوجة مغرية كانت فيه
~~بالقوة إلا أن حرافته كانت تخفيها وتسترها ولذلك صار غذاؤه غليظا بطيء
~~الهضم ثقيلا في المعدة إلا أنه لما فيه من القبض والعفوصة صار مقويا للمعدة
~~حابسا للبطن إذا لم يكثر منه ولما فيه من اللزوجة والتغرية صار نافعا من
~~سحج المعاء. وقشره أقوى على حبس البطن من جرمه لأن قبضه أشد ويطبخ في
~~السماقية وغيرها فيعود في المرقة لزوجة يعافها من لا يعتادها ولكن إذا سلق
~~وصبت سلاقته ثم قلي بالدهن حتى يتورد فلا بأس به.
[1.2.16]
# والغالب على مزاجه الحرارة والرطوبة ويظهر من حاله أنه مركب من جوهرين
~~جوهر حار حريف يذهب بالطبخ وجوهر أرضي مائي ينمي بالطبخ وذلك كما في البصل
~~والثوم وما كان كذلك فهو نيا دوائي ومطبوخا غذائي وقد رأيته بدمشق لكن
~~قليلا ورأيته إذا يبس يرجع خشبيا كالقسط سواء.
[1.2.17]
# وأما ورقه فورق مستدير واسع على شكل خف البعير سواء لكنه أكبر منه ويكون
~~قطر الورقة ما بين شبر إلى شبرين ولكل ورقة قضيب مفرد في غلظ الإصبع وطول
~~شبرين أو أزيد ونبات كل قضيب من الأصل الذي في الأرض إذ ليس لهذا النبات
~~ساق ولا ثمر أيضا وورق القلقاس شديد الخضرة رقيق البشرة شبيه بورق الموز في
~~خضرته ونعمته ورونقه ونضارته.
[1.2.18]
# وقال ديوسقوريدس إن لهذا النبات زهرا على لون الورد فإذا عقد عقد شيئا
~~شبيها بالحراب كأنه نفاخة الماء وجباب وفيه باقلى صغير أصغر من الباقلى
~~اليوناني يعلو موضعه المواضع التي ليس فيها باقلى فمن أراد أن يزرعه فإنما
~~يأخذ ذلك الباقلى ويصيره في كتل طين ويلقيها في الماء فتنبت وزعم أنه يؤكل
~~طريا ويابسا وأنه يعمل منه دقيق يشرب كالسويق ويعمل منه حسو فيقوي المعدة
~~وينفع من الإسهال المري وسحوج الأمعاء وأن الشيء الأخضر الذي في وسطه المر
~~الطعم إذا سحق وخلط بدهن وقطر في الأذن سكن وجعها.
[1.2.19]
# وقال الإسرائيلي أما نحن فما شاهدنا له زهرا قال ورأيت أصل هذا النبات
~~إذا خزن في المنازل وجاء وقت نباته تفرع من الباقلى اللاصق به فروع وأنبت
~~من غير أن يظهر له زهر ولا ثمر لكن لون الباقلاة نفسها كلون زهر الورد
~~لأنها حين تبزر وتأخذ في النبات يخرج ما يبزر منها حسن البياض يعلوه تورد
~~يسير. قال وما وجدنا له جفافا يمكن معه أن يكون منه سويق ولا رأيناه السنة
~~كلها إلا رطبا مثل بصل النرجس وبصل الزعفران ونحوه قال ولم نر في وسطه هذا
~~الأخضر الذي ذكره ديوسقوريدس ولا وجدناه السنة كلها إلا كالموز الأخضر.
[1.2.20]
# أقول كلا بل الحق ما قاله ديوسقوريدس وإنه يجف حتى يقبل السحق ويمكن أن
~~يتخذ منه سويق وهذا رأيناه عيانا وإنه إذا جف لا فرق بينه وبين الزنجبيل في
~~المنظر سوى أن القلقاس أكبر وتجد في طعمه حدة ولذعا وأقول عن حدس صناعي
~~مبدؤه المشاهدة والسماع إن القلقاس زنجبيل مصري أكسبته الأرض رطوبة فقلت
~~حرارته وحدته كما أن الزنجبيل الزنجي والهندي أقوى وأحد من اليمني وأهل
~~اليمن يطبخون به كما يطبخ المصريون بالقلقاس لكن لا يستكثر منه جدا ولقد
~~سألت جماعة من التجار وأرباب المعرفة عن منبته باليمن وشكله فكلهم زعم أنه
~~كالقلقاس غير أن القلقاس أكبر وكذلك ورقه أكبر من ورق الزنجبيل وقد شاهدته
~~إذا يبس لا فرق بينه وبين الزنجبيل في الصورة مع حدة ولذع يسير وقال لي آخر
~~إن نبات الزنجبيل يشبه نبات البصل مع أن القلقاس يكون في تلك البلاد وكأنه
~~بستاني.
[1.2.21]
# وقال علي بن رضوان القلقاس أسرع الأغذية استحالة إلى السوداء وقال غيره
~~من أطباء مصر إن القلقاس يزيد في الباءة وفي كل نظر لا يليق بهذا الكتاب.
[1.2.22]
# ومن ذلك الموز وهو كثير باليمن والهند ورأيته بالغور وبدمشق مجلوبا وكونه
~~من فراخ تظهر من أصل شجرته كما تظهر الفسلان من النخلة وتسمى المثمرة الأم
~~فإذا أخذت ثمرتها قطعت هي أيضا وخلفها أكبر بناتها وترتفع قامة إلى قامتين
~~وكأنها نخلة لطيفة.
[1.2.23]
# وزعموا أن شجر الموز في الأصل مركب من قلقاس ونوى النخل تجعل النواة في
~~جوف القلقاسة وتغرس وهذا القول وإن كان سادجا من دليل يشهد له فالحس يسوغه
~~وذلك أنك تجد لشجرته سعفا كسعف النخل سواء إلا أنك ينبغي أن تتخيل الخوص
~~اتصل بعضه ببعض حتى صار كأنه ثوب حرير أخضر قد نشر أو راية خضراء ترف ريا
~~وطراءة وكأن الرطوبة اكتسبها من القلقاس والشكل اكتسبه من النخل. وأنت تعلم
~~أن تشقق سعف النخل إلى الخوص إنما كان من قبل اليبس الغالب على مزاج النخل
~~ولكثرة رطوبة الموز بقي سعفه متصل الخوص ولم يتشقق. فعلى هذا يكون القلقاس
~~له بمنزلة المادة والنخل بمنزلة الصورة. وأنت إذا تأملت خشب الموز وورقه
~~بعد يبسه ألفيت فيه تلك الشظايا والخيوط التي تجدها في جذع النخل وسعفه إلا
~~أنك تجدها مشوبة برطوبة قد ألحمت بينها وملأت فرجها وإن كان القلقاس لا
~~ينفك من ذلك أيضا ويتبينه آكله مقلوا.
[1.2.24]
# وأما الثمر فإنك تراه أعذاقا كأعذاق النخل قد تحمل شجرته خمس مائة موزة
~~فصاعدا ويكون في منتهى العذق موزة تسمى الأم ليس فيها لحم ولا تؤكل وإذا
~~شققت وجدت مؤلفة من قشور كالبصل كل قشرين منها متقابلان يحتوي كل واحد
~~منهما على نصفها طولا وتحت كل قشر عند القاعدة زهر أبيض بقدر الفستق أو
~~كزهر النارنج عدده أحد عشر في صفين لا ينقص عن هذا العدد ولا يزيد إلا
~~واحدا نادرا فهذا القشر بمنزلة كفرى الطلع والزهر بمنزلة الطلع نفسه. وتنشق
~~هذه القشور من تلقاء أنفسها على التدريج الأعلى فالأعلى فيظهر ذلك الزهر
~~أبيض بمنزلة البلح وفيه رطوبة حلوة فيتساقط وتعقد عنه الموزة صغيرة فإذا
~~أخذت في النمو قليلا انشق قشر آخر على الرسم ولا يزال كذلك حتى ينتهي العذق.
[1.2.25]
# وتجد قشر الموزة كقشر الرطبة إلا أنه غليظ جدا بما اكتسبه من مادة
~~القلقاس ولحمها حلو فيه تفاهة كأنه رطب مع خبز فالحلاوة له من الرطب
~~والتفاهة من القلقاس وأما شكلها ففي شكل الرطبة إلا أنها بقدر الخيارة
~~الكبيرة تميل إلى الصفرة والبياض فالصفرة من الرطب والبياض من القلقاس.
~~وحين ما يقطع يكون شديد الخضرة جدا لا يصلح للأكل فإذا دفن أياما اصفر وصلح
~~للأكل ثم إنك تجده شحمة واحدة ليس فيها نوى ولا ما يرمى سوى القشر فقط بل
~~تراه كأنه قطعة خبيص ناعم المضغ يسترط بسهولة فإذا أنت تأملته في ضياء
~~ألفيت في وسطه حبا كثيرا أصغر من الخردل يضرب إلى السواد والشقرة شبيه بحب
~~التين لكنه في غاية اللين فهذا كأنه رسم نوى الرطب إلا أنه لزيادة رطوبته
~~لان وتفرق واختلط باللحم وانساغ معه في الأكل وله رائحة عطرة لا بأس بها
~~فيها خمرة ما والجشاء العارض لآكله بعد أخذه في الهضم طيب الرائحة.
[1.2.26]
# وهو حار رطب ورطوبته أزيد من حرارته وكأنه حار في الأولى رطب في الثانية
~~يزيد في الباءة ويدر البول ويحدث نفخا ولا يبعد في طبعه هذا عن الرطب إلا
~~بكثرة رطوبته التي اكتسبها من القلقاس فهذا إن كان من تركيب الصناعة فقد
~~صدق الخبر الخبر وإن كان من تركيب الطبيعة فإن لها أيضا تركيبات عجيبة
~~متقنة من أصناف الحيوان والنبات فيكون الموز من جملتها.
[1.2.27]
# وقال أبو حنيفة الموز معادنه عمان وتنبت الموزة نبات البردية لها عنقرة
~~غليظة وورقة طويلة عريضة نحو ثلاث أذرع في ذراعين ليست بمنخرطة على نبات
~~السعف لكن شبه المربعة وترتفع الموزة قامة باسطة ولا تزال فراخها تنبت
~~حولها واحدة أصغر من الأخرى فإذا أجرت وذلك إدراك موزها قطعت الأم حينئذ من
~~أصلها ويؤخذ قنوها ويطلع أكبر فراخها فيصير هو الأم وتبقى البواقي فراخا
~~لها ولا تزال على هذا أبد الدهر ولذلك قال أشعب لابنه فيما يروي عنه
~~الأصمعي يا بني لم لا تكون مثلي فقال أنا مثل الموزة لا تصلح حتى تموت
~~أمها. ومن نبات الموزة إلى إثمارها شهران وبين إطلاعها إلى إجرائها أربعون
~~يوما والموز موجود في أوطانه السنة كلها ويكون في القنو من أقنائها ما بين
~~ثلاثين موزة إلى خمس مائة موزة.
[1.2.28]
# ورأيت عند بعض تجار الهند حصرا حسنة لطيفة موشاة ذات وجهين ألوانها أحسن
~~الألوان وأصباغها زهر خالصة كأنها ألوان الحرير عرض الحصير منها نحو ذراعين
~~ونصف وهو أسلة واحدة ليس فيه وصل فجعلت أعجب من طول الأسل الذي يسمى بمصر
~~السمار فذكر لي أنه ليس به وإنما هو متخذ من ورق الموز الهندي بأن يؤخذ
~~العسيب فيشقق ويجفف ثم يصبغ وينسج منه هذه الحصر ويباع الحصير منها في
~~المعبر بدينارين وفيها ما يباع بدرهمين وأراني من كلا الصنفين.
[1.2.29]
# وأما المحمضات فيوجد بأرض مصر منها أصناف كثيرة لم أرها بالعراق من ذلك
~~أترج كبار يعز وجود مثله ببغداد ومن ذلك أترج حلو ليس فيه حماض ومن ذلك
~~الليمون المركب وهو أصناف أيضا ويوجد منه ما هو بقدر البطيخة، ومن ذلك
~~الليمون المختم وهو أحمر شديد الحمرة أقنأ حمرة من النارنج شديد الاستدارة
~~مفلطح من رأسه وأسفله مفضوخ فيهما بختمين ومن ذلك ليمون البلسم وهو في قدر
~~الإبهام وكالبيضة المطاولة ومنه ما هو مخروط صحيح يبتدئ من قاعدة وينتهي
~~إلى نقطة وأما لونه وريحه وشحمه وحماضه فلا يغادر من الأترج شيئا.
[1.2.30]
# وقد يوجد أترج في جوفه أترج بقشر أصفر أيضا وخبرني صادق أنه وجد في جوف
~~أترجة سبع أترجات صغار كل واحدة يحيط بها قشر تام والذي رأيته أنا أترجة في
~~جوفها أترجة ليست تامة وقد رأيت منه شيئا بالغور وهذا الأترج المداخل إنما
~~يكون في ذي الحماض.
[1.2.31]
# ثم إن هذه الأنواع يركب بعضها على بعض فيتولد منها أصناف كثيرة جدا.
[1.2.32]
# ومن ذلك صنف من التفاح يوجد بالإسكندرية ببستان واحد يسمى بستان القطعة
~~وهو صغار جدا قانئ الحمرة وأما رائحته فتفوق الوصف وتعلو على المسك وهو
~~قليل جدا.
[1.2.33]
# وأما القرط فيسمى بالعراق الرطبة وبالشام الفصة وبالفارسية أسڣست.
[1.2.34]
# وأما النخل فكثير لكن إذا قيست ثمرته بثمرة نخل العراق وجدت كأنها قد
~~طبخت طبخة خرج بها معظم حلاوتها وبقيت ناقصة القوة وما يسميه أهل العراق
~~القسب يسميه أهل مصر التمر وأما التمر بالعراق فيسمونه العجوة وقلما تجد
~~عندهم ما يشابه ثمر العراق إلا نادرا ويكون ذلك نخيلا معدودة تهدى تحفة.
[1.2.35]
# وأما الماش وهو المج فلا يزرع بمصر أصلا وإنما يوجدعند العطارين مجلوبا
~~من الشام ويباع بالأواقي للمرضى وأما الذرة والدخن فلا يعرفان بمصر اللهم
~~إلا بالصعيد الأعلى وخاصة الدخن.
[1.2.36]
# ومما تختص به مصر الأفيون وهو يجتنى من الخشخاش الأسود بالصعيد وكثيرا ما
~~يغشه جناته وربما غشوه بالعذرة وعلامة الخالص منه أن يذوب في الشمس ويقد في
~~السراج بلا ظلمة وإذا طفئ تكون رائحته قوية والمغشوش يسوس سريعا. وأرسطو
~~ينهى عن خلطه بدواء العين والأذن لأنه يعمي ويصم.
[1.2.37]
# ومن ذلك الأقاقيا وهو عصارة ورق شجر القرظ وثمره يستخرج ماؤه بالدق
~~والعصر ويجعل في أوان مرحرحة تلقاء الشمس حتى يغلظ ثم يقرص هذا هو الخالص
~~الخاص وأما العام الذي يجلب إلى البلاد فإنه يؤخذ القرظ فيطحن ويعجن بماء
~~الصمغ ثم يقرص ويختم ويجفف. وشجرته هي السنط وتسمى الشوكة المصرية وورقها
~~هو القرظ بالحقيقة وتدبغ به الجلود وعصارة القرظ التي يتخذ منها الأقاقيا
~~تسمى رب القرظ ونساء مصر يشربون عصارته ونقيعه للإسهال.
[1.2.38]
# والسنط شجر عظام جدا له شوك كثير حديد صلب أبيض وله ثمر يسمى خروب القرظ
~~مدور مسطوح مشاكل لحب الترمس إلا أنه متصل كقرون اللوبياء وفي داخله حب
~~صغار وإذا اتخذ الأقاقيا من القرظ قبل كمال نضجه كان أكثر قبضا وأقوى على
~~حبس الطبيعة وإذا اتخذ مما استحكم نضجه لم يقو على حبس البطن وعلامته أن
~~يكون شديد السواد مشرق اللون.
[1.2.39]
# وقال الدينوري القرظ شجر عظام كشجر الجوز وخشبه صلب كالحديد وإذا قدم
~~اسود كالأبنوس وورقه يشبه ورق التفاح وله حبلة مثل قرون اللوبياء داخلها حب
~~يوضع في الموازين ويدبغ بورقه وثمره ومنابته القيعان والجبال وحبلة القرظ
~~أصغر من علف الطلح وإذا رعته الإبل احمرت أفواهها وأوبارها حتى أبعارها
~~فتحسبها عصفرا قد جمع وتسمن عليه وما كان من القرظ بأرض مصر فهو السنط وهو
~~ذكي الوقود قليل الرماد وله برمة صفراء ليس لها رائحة ذكية كبرم العراق.
[1.2.40]
# ومن ذلك الفقوص وهو قثاء صغار لا يكبر ولا يعدو أطوله الفتر وأكثره في
~~طول الإصبع وهو أنعم من القثاء وأحلى ولا شك أنه صنف منه وكأنه الضغابيس
~~فأما القثد فهو الخيار.
[1.2.41]
# ويوجد بمصر بطيخ يسمى العبدلي والعبدلاوي قيل إنه نسب إلى عبد الله بن
~~طاهر والي مصر عن المأمون وأما المزارعون فيسمونه البطيخ الدميري منسوب إلى
~~دميرة قرية بمصر وله أعناق ملتوية وقشره خفيف وطعمه مسيخ قلما يوجد فيه حلو
~~ويندر فيه ما وزنه ثلاثون رطلا وأكثر والغالب عليه ما بين رطل إلى عشرة
~~أرطال وأهل مصر يستطيبونه على البطيخ المولد المسمى عندهم بالخراساني
~~والصيني ويزعمون أنه نافع ويأكلونه بالسكر وطعمه أشبه شيء بالصنف المسمى
~~بالعراق الشلنق لكنه ألذ منه وأنعم وشكله شكل يقطين العراق إلا أن لونه حسن
~~الصفرة جدا وفي ملمسه حراشة وتخييش. قال ابن وهب الطبيخ هو المدور الأخرش
~~المركن الذي لا أعناق له وأما الخربز فهو البطيخ الصغار الطوال الأعناق
~~الأملس المدور. وقال يحيى قال الأخفش هو سواء والعرب تقلب الحرف فتقدم
~~هجاءه على بعض.
[1.2.42]
# وصغاره قبل أن تبلغ تكون كلون اليقطين وشكله وكطعم القثاء لها بطون
~~وأعناق وتباع بالفقوص وتسمى العجور وأخبرني مزارعه أن العادة جارية بأن
~~ينقى حقله كل يوم فما يرى مزارعه أن يقطعه صغيرا أخضر قطعه وباعه بالعجور
~~وما يرى أن يتركه حتى يكبر ويبلغ ويصفر كان منه البطيخ العبدلي.
[1.2.43]
# وقلما تجد في بطيخ مصر ما هو صادق الحلاوة لكنه لا يوجد فيه مدود ولا
~~فاسد بل الغالب عليه التفاهة المائية وجميع أصناف البطيخ بها يباع بالميزان
~~سوى البطيخ الأخضر وأما البطيخ الأخضر فإنه يسمى بالغرب الدلاع وبالشام
~~البطيخ الزبش وبالعراق البطيخ الرقي ويسمى أيضا الفلسطيني والهندي وأما
~~اليقطين الذي يقصره الجمهور على الدباء فيكون بمصر مستطيلا وفي شكل القثاء
~~ويبلغ في طوله إلى ذراعين وفي قطره إلى شبر.
[1.2.44]
# وأما الباقلى الأخضر المسمى عندهم بالفول فإنه يتواصل نحو ستة أشهر وكذلك
~~الورد. والياسمون يدوم جميع السنة لا تزال شجرته مزهرة ومنه أبيض وأصفر
~~والأبيض أكثر وأعطر ومنه يتخذ دهن الزنبق بدمياط خاصة وكذلك الليمون وإنما
~~يقل ويكثر فقط والبنفسج بمصر عطر جدا لكن لا يحسنون اتخاذ دهنه ولا معجونه.
[1.2.45]
# والسفرجل بمصر رديء جدا صغير عفص غال وأما تفاحها فلا بأس به وإن كان
~~رديئا وأما رمانها ففي غاية الجودة إلا أنه ليس بصادق الحلاوة وأما
~~القراسيا فلا يوجد بمصر بل بالشام وبلاد الروم وغيرهما وإنما بمصر صنف من
~~الإجاص صغار حامض يسمونه القراسيا ومثل هذا الصنف بدمشق يسمونه خوخ الدب
~~لإن الإجاص بالشام يسمى خوخا والخوخ دراقنا والكمثرى إجاصا.
[1.2.46]
# ومما يكثر بمصر شجر خيار شنبر وهو شجر عظام شبيهة بشجر الخروب الشامي
~~وزهره كبير أصفر ناضر ذو رؤاء وبهجة فإذا عقد تدلى ثمره كالمقارع الخضر
~~وبها شجر اللوز. والسدر بها كثير وثمره النبق حلو جدا والنيل يكثر بها
~~ولكنه دون الهندي.
### || 1.3 الفصل الثالث فيما تختص به من الحيوان
# [1.3.1]
# من ذلك حضانة الفراريج بالزبل فإنه قلما ترى بمصر فراريج عن حضان الدجاجة
~~وربما لم يعرفوه أيضا وإنما ذلك عندهم صناعة ومعيشة يتجر فيها ويكتسب منها.
~~وتجد في كل بلد من بلادهم مواضع عدة تعمل ذلك ويسمى الموضع معمل الفروج
~~وهذا المعمل ساحة كبيرة يتخذ فيها من البيوت التي يأتي ذكرها ما بين عشرة
~~أبيات إلى عشرين بيتا في كل بيت ألفا بيضة ويسمى بيت الترقيد.
[1.3.2]
# وصفته أن يتخذ بيت مربع طوله ثمانية أشبار في عرض ستة في ارتفاع أربعة
~~ويجعل له باب في عرضه سعته شبران وعقد في مثله ويجعل فوق الباب طاقة
~~مستديرة قطرها شبر ثم تسقف بأربع خشبات وفوقها سدة قصب يعني نسيجا منه
~~وفوقه ساس وهو مشاقة الكتان وحطبه ومن فوق ذلك الطين ثم يرصص بالطوب ويطين
~~سائر البيت ظاهره وباطنه وأعلاه وأسفله حتى لا يخرج منه بخار. وينبغي أن
~~تتخذ في وسط السقف شباكا سعته شبر في شبر فهذا السقف يحكي صدر الدجاجة.
[1.3.3]
# ثم تتخذ حوضين من طين مخمر بساس طول الحوض ستة أشبار وعرضه شبر ونصف
~~وسمكه عقدة إصبع وحيطانه نحو أربع أصابع ويكون هذا الحوض لوحا واحدا تبسطه
~~على أرض معتدلة وهذا الحوض يسمى الطاجن فإذا جف الطاجنان ركبتهما على طرفي
~~السقف أحدهما على وجه الباب والآخر قبالته على الطرف الآخر تركيبا محكما
~~وأخذت وصولهما بالطين أخذا متقنا وينبغي أن يكون قعود الطاجنين على خشب
~~السقف بحيث يماسانه وهذان الطاجنان يحاكى بهما جناحا الدجاجة.
[1.3.4]
# ثم يفرش البيت بقفة تبن ويمهد ويفرش فوقه نخ خب أو ديس يعني حصيرا برديا
~~على مقداره سواء ثم يرصف فوقه البيض رصفا حسنا بحيث يتماس ولا يتراكب
~~لتتواصل الحرارة فيه ومقدار ما يسع هذا البيت المفروض ألفا بيضة وهذا الفعل
~~يسمى الترقيد.
[1.3.5]
# صفة الحضان تبتدئ وتسد الباب بأن ترسل عليه لبدا مهندما ثم تسد الطاقة
~~بساس والشباك أيضا بساس وفوقه زبل حتى لا يبقى في البيت متنفس للبخار وتلقي
~~في الطاجنين من زبل البقر اليابس قفتين وذلك ثلاث ويبات وتقد فيه نار سراج
~~من جميع جهاته وتمهله ريثما يرجع رمادا وأنت تتفقد البيض ساعة بعد أخرى بأن
~~تضعه على عينك وتعتبر حرارته وهذا الفعل يسمى الذواق فإن وجدته يلذع العين
~~قلبته ثلاث تقليبات في ثلاث دفعات تجعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله وهذا
~~يحاكي تقليب الدجاجة للبيض بمنقارها وتفقدها إياه بعينها وهذا يسمى السماع الأول.
[1.3.6]
# فإذا صار الزبل رمادا أزلته وتركته بلا نار إلى نصف النهار إن كان ترقيده
~~بكرة وإن كان ترقيده من أول الليل حرسته إلى أن يحمى وتسمع النار كالسياقة
~~المتقدمة ثم تخلي الطاجنين من النار إلى بكرة.
[1.3.7]
# ثم تجعل في الطاجن الذي على باب البيت من الزبل ثلاثة أقداح وفي الطاجن
~~الذي على صدر البيت قدحين ونصفا ومد الزبل بمرود غليظ واطرح في كل منهما
~~النار في موضعين منه وكلما خرجت من البيت بعد تفقده فأرخ الستر وإياك وأن
~~تغفل عنه لئلا يخرج البخار ويدخل الهواء فيفسد العمل فإذا كان وقت العشاء
~~وصار الزبل رمادا ونزل الدفء إلى البيض أسفل البيت فغير الرماد من الطواجن
~~بزبل جديد مثل الأول وأنت كل وقت تلمس البيض وتذوقه بعينك فإن وجدت حرارته
~~زائدة عن الاعتدال تلذع العين فاجعل مكان الثلاثة الأكيال لطاجن الباب
~~كيلين وربعا وفي طاجن الصدر كيلين فقط.
[1.3.8]
# ولا تزال تواصل تغيير الرماد وتجديد الزبل والإيقاد حتى لا ينقطع الدفء
~~مدة عشرة أيام بمقدار ما تكمل الشخوص بمشيئة الله وقدرته وذلك نصف عمر
~~الحيوان ثم تدخل البيت بالسراج وترفع البيض واحدة واحدة وتقيمها بينك وبين
~~السراج فالتي تراها سوداء ففيها الفرخ والتي تراها شبه شراب أصفر في زجاج
~~لا عكر فيه فهي لائح بلا بزر وتسمى الأرملة فأخرجها فلا منفعة فيها ثم عدل
~~البيض في البيت بعد تنقيته وإخراج اللائح عنه وهذا الفعل يسمى التلويح.
[1.3.9]
# ثم تصبح بعد التلويح تنقص الزبل من العيار الأول ملء كفك من كل حوض بكرة
~~ومثله عشية حتى يتصرم اليوم الرابع عشر ولم يبق من الزبل شيء فحينئذ يكمل
~~الحيوان ويشعر وينفخ فاقطع إذا النار عنه فإن وجدته زائد الحرارة يحرق
~~العين فافتح الطاقة التي على وجه الباب وخلها كذلك يومين ثم ذقه على عينك
~~فإن وجدته غالب الحرارة فافتح نصف الشباك وأنت مع ذلك تقلبه وتخرج البيض
~~الذي في الصدر إلى جهة الباب والبيض الذي في جهة الباب ترده إلى الصدر حتى
~~يحمى البارد الذي كان في جهة الباب ويستريح الحار الذي في الصدر بشم الهواء
~~فيصير في طريقة الاعتدال ساعة يحمى وساعة يبرد فيعتدل مزاجه وهذا الفعل
~~يسمى الحضانة كما يفعل الطير سواء.
[1.3.10]
# وتستمر على هذا التدبير دفعتين في النهار ودفعة في الليل إلى تمام تسعة
~~عشر يوما فإن الحيوان ينطق في البيض بقدرة الله تعالى وفي يوم العشرين يطرح
~~بعضه ويكسر القشر ويخرج وهذا يسمى التطريح وعند تمام اثنين وعشرين يوما
~~يخرج جميعه.
[1.3.11]
# وأحمد الأوقات عاقبة لعمله أمشير وبرمهات وبرمودة وذلك في شباط وآذار
~~ونيسان لأن البيض في هذه المدة يكون غزير الماء كثير البزرة صحيح المزاج
~~والزمان معتدل صالح للنشء والكون وينبغي أن يكون البيض طريئا وفي هذه
~~الأشهر يكثر البيض أيضا.
[1.3.12]
# ومن ذلك الحمير والحمير بمصر فارهة جدا وتركب بالسروج وتجري مع الخيل
~~والبغال النفيسة ولعلها تسبقها وهي مع ذلك كثيرة العدد ومنها ما هو عال
~~بحيث إذا ركب بسرج اختلط مع البغلات يركبه رؤساء اليهود والنصارى يبلغ ثمن
~~الواحد منها عشرين دينارا إلى أربعين.
[1.3.13]
# وأما بقرهم فعظيمة الخلق حسنة الصور ومنها صنف هو أحسنها وأغلاها قيمة
~~يسمى البقر الخيسية وهي ذوات قرون كأنها القسي غزيرات اللبن.
[1.3.14]
# وأما خيلها فعتاق سابقة ومنها ما يبلغ ثمنه ألف دينار إلى أربعة آلاف وهم
~~ينزون الخيل على الحمير والحمير على الخيل فتأتي البغلة وأمها أتان ولكن
~~هذه البغال لا تكون عظيمة الخلق كالتي أماتها حجورة لأن الأم هي التي تعطي
~~المادة.
[1.3.15]
# ومن ذلك التماسيح والتماسيح كثيرة في النيل وخاصة في الصعيد الأعلى وفي
~~الجنادل فإنها تكون في الماء وبين صخور الجنادل كالدود كثرة وتكون كبارا
~~وصغارا وينتهي في الكبر إلى نيف وعشرين ذراعا طولا ويوجد في سطح جسده مما
~~يلي بطنه سلعة كالبيضة تحتوي على رطوبة دموية وهي كنافجة المسك في الصورة
~~والطيب وخبرني الثقة أنه يندر فيها ما يكون في علو المسك لا ينقص عنه شيئا
~~والتمساح يبيض بيضا شبيها ببيض الدجاج.
[1.3.16]
# ورأيت في كتاب منسوب إلى أرسطو ما هذه صورته قال التمساح كبده تهيج
~~الجماع وكليتاه وشحمهما في ذلك أبلغ ولا يعمل في جلده الحديد ومن فقار
~~رقبته إلى ذنبه عظم واحد ولهذا إذا انقلب على ظهره لم يقدر أن يرجع قال
~~ويبيض بيضا طويلا كالإوز ويدفنه في الرمل فإذا أخرج كان كالحراذين في جسمها
~~وخلقتها ثم يعظم حتى يكون عشر أذرع وأزيد ويبيض ستين بيضة لإن خلقته تجري
~~على ستين ستين سنا وستين عرقا وإذا سفد أمنى ستين مرة وقد يعيش ستين سنة.
[1.3.17]
# ومن ذلك الدلفين ويوجد في النيل وخاصة قرب تنيس ودمياط.
[1.3.18]
# ومن ذلك الأسقنقور ويكون بالصعيد وبأسوان كثيرا ويكون من نتاج التمساح في
~~البر وهو صنف من الورل بل هو ورل إلا أنه قصير الذنب والورل والتمساح
~~والحرذون والأسقنقور وسميكة صيداء لها كلها شكل واحد وإنما تختلف بالصغر
~~والكبر والتمساح أعظمها وسميكة صيداء أصغرها تكون بقدر الإصبع وتصلح لما
~~يصلح له الأسقنقور من تسخين الأعضاء والإنعاظ وكأن التمساح ورل بحري والورل
~~تمساح بري والجميع يبيض بيضا.
[1.3.19]
# والسقنقور يكون بشطوط النيل ومعيشته في البحر السمك الصغار وفي البر
~~العظاء ونحوه ويسترط غذاءه استراطا ويوجد لذكورته خصيان كخصيي الديكة وفي
~~مقدارهما ومواضعهما وإناثه تبيض فوق العشرين بيضة وتدفنها في الرمل فيكمل
~~كونها بحرارة الشمس فعلى هذا إنما هو نوع برأسه.
[1.3.20]
# وقال ديسقوريذس إنه يكون بنواحي القلزم وبمواضع من بلاد الهند وبلاد
~~الحبشة ويفارق الورل بمأواه فإن الورل جبلي والسقنقور بري مائي لأنه يدخل
~~في ماء النيل ثم إن ظهر الورل خشن صلب وظهر السقنقور لين ناعم ولون الورل
~~أصفر أغبر ولون السقنقور مدبج بصفرة وسواد.
[1.3.21]
# والمختار من الأسقنقور إنما هو الذكر دون الأنثى ويصاد في الربيع لأنه
~~وقت هيجانه للسفاد فإذا أخذ ذبح في مكانه وقطعت أطرافه ولا يستقصى قطع ذنبه
~~ويشق جوفه وتخرج حشوته إلا كشيته وكلاه ثم يحشى ملحا ويخاط ويعلق في الظل
~~حتى يجف ويرفع.
[1.3.22]
# ويسقى من كلاه ومتنه وشحمه وسرته من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل بماء العسل
~~أو بمطبوخ أو بصفرة بيض نيمرشت وحده أو مع بزر جرجير وخصى ديوك مجفف مدقوق
~~وقد يفعل ملحه ذلك إذا خلط بالأدوية البائية وقد يركب مع غيره من الأدوية
~~إلا أن استعماله مفردا أقوى له.
[1.3.23]
# ومن ذلك فرس البحر وهذه توجد بأسافل الأرض وخاصة ببحر دمياط وهو حيوان
~~عظيم الصورة هائل المنظر شديد البأس يتتبع المراكب فيغرقها ويهلك من ظفر به
~~منها وهو بالجاموس أشبه منه بالفرس لكنه ليس له قرن وفي صوته صحلة يشبه
~~صهيل الفرس بل البغل وهو عظيم الهامة هريت الأشداق حديد الأنياب عريض
~~الكلكل منتفج الجوف قصير الأرجل شديد الوثب قوي الدفع مهيب الصورة مخوف
~~الغائلة.
[1.3.24]
# وخبرني من اصطادها مرات وشقها وكشف عن أعضائها الباطنة والظاهرة أنها
~~خنزير كبير وأن أعضاءها الباطنة والظاهرة لا تغادر من صورة الخنزير شيئا
~~إلا في عظم الخلقة ورأيت في كتاب نيطواليس في الحيوان ما يعضد ذلك وهذه
~~صورته قال خنزيرة الماء تكون في بحر مصر وهي تكون في عظم الفيل ورأسها يشبه
~~رأس البغل ولها شبه خف الجمل قال وشحم متنها إذا أذيب ولت بسويق وشربته
~~امرأة أسمنها حتى تجوز المقدار.
[1.3.25]
# وكانت واحدة ببحر دمياط قد ضريت على المراكب تغرقها وصار المسافر في تلك
~~الجهة مغررا وضريت أخرى بجهة أخرى على الجواميس والبقر وبني آدم تقتلهم
~~وتفسد الحرث والنسل وأعمل الناس في قتلهما كل حيلة من نصب الحبائل الوثيقة
~~وحشد الرجال بأصناف السلاح وغير ذلك فلم يجد شيئا فاستدعي بنفر من المريس
~~صنف من السودان زعموا أنهم يحسنون صيدها وأنها كثيرة عندهم ومعهم مزاريق
~~فتوجهوا نحوهما فقتلوهما في أقرب وقت وبأهون سعي وأتوا بهما إلى القاهرة.
[1.3.26]
# فشاهدتهما فوجدت جلدها أسود أجرد ثخينا جدا وطولها من رأسها إلى ذنبها
~~عشر خطوات معتدلات وهي في غلظ الجاموس نحو ثلاث مرات وكذلك رقبتها ورأسها
~~وفي مقدم فيها اثنا عشر نابا ستة من فوق وستة من أسفل المتطرفة منها نصف
~~ذراع زائد والمتوسطة أنقص بقليل وبعد الأنياب أربعة صفوف من الأسنان على
~~خطوط مستقيمة في طول الفم في كل صف عشرة كأمثال بيض الدجاج المصطف صفان في
~~الأعلى وصفان في الأسفل على مقابلتهما وإذا فغر فوها وسع شاة كبيرة وذنبها
~~في طول نصف ذراع زائد أصله غليظ وطرفه كالإصبع أجرد كأنه عظم شبيه بذنب
~~الورل وأرجلها قصار طولها نحو ذراع وثلث ولها شبيه بخف البعير إلا أنه
~~مشقوق الأطراف بأربعة أقسام وأرجلها في غاية الغلظ وجملة جثتها كأنها مركب
~~مكبوب لعظم منظرها.
[1.3.27]
# وبالجملة هي أطول وأغلظ من الفيل إلا أن أرجلها أقصر من أرجل الفيل بكثير
~~ولكن في غلظها أو أغلظ منها.
[1.3.28]
# ومن ذلك السمكة المعروفة بالرعاد لأنه من أمسكها وهي حية ارتعد رعدة لا
~~يمكنه معها أن يتماسك وهي رعدة بقرة وخدر شديد وتنمل في الأعضاء وثقل بحيث
~~لا يقدر أن يملك نفسه ولا أن يمسك بيده شيئا أصلا ويتراقى الخدر إلى عضده
~~وكتفه وإلى جنبه بأسره حين ما يلمسها أيسر لمس في أسرع وقت وخبرني صيادها
~~أنها إذا وقعت في الشبكة اعترى الصياد ذلك إذا بقي بينه وبينها مقدار شبر
~~أو أكثر من غير أن يضع يده عليها وهي إذا ماتت بطلت هذه الخاصة منها وهي من
~~السمك الذي لا تفليس له ولحمها قليل الشوك كثير الدسم ولها جلد ثخين في ثخن
~~الإصبع ينسلخ عنها بسهولة ولا يمكن أكله ويوجد منها الصغير والكبير ما بين
~~رطل إلى عشرين رطلا. وذكر من يكثر السباحة بنواحيها أنها إذا نفحت بدن
~~السابح خدر الموضع أين كان ساعة بحيث يكاد يسقط وتكثر بأسافل الأرض
~~وبالإسكندرية.
[1.3.29]
# وأما أصناف السمك عندهم فكثيرة لأنه يجتمع إليهم سمك النيل وسمك البحر
~~الملح ولا يفي القول بنعتها لكثرة أصنافها واختلاف أشكالها وألوانها ومنها
~~الصنف المسمى عندهم ثعبان الماء وهي سمكة كالحية سواء طولها ما بين ذراع
~~إلى ثلاث أذرع ومنها السرب وهي سمكة تصاد من بحر الإسكندرية يحدث لآكلها
~~أحلام رديئة مفزعة ولا سيما الغريب ومن لم يعتدها والأحدوثات المضحكة فيها
~~مشهورة.
[1.3.30]
# ومن ذلك الترسة وتسمى لجأة وهي سلحفاة عظيمة وزنها نحو أربعة قناطير إلا
~~أن جفنتها أعني عظم ظهرها كالترس له أفاريز خارجة عن جسمها نحو الشبر
~~ورأيتها بالإسكندرية يقطع لحمها ويباع كلحم البقر وفي لحمها ألوان مختلفة
~~ما بين أخضر وأحمر وأصفر وأسود وغير ذلك من الألوان ويخرج من جوفها نحو
~~أربع مائة بيضة كبيض الدجاج سواء إلا أنه لين القشر واتخذت من بيضها عجة
~~فلما جمد صار ألوانا ما بين أخضر وأحمر وأصفر شبيها بألوان اللحم.
[1.3.31]
# ومن ذلك الدلينس وهو صدف مستدير إلى الطول أكبر من الظفر ينشق عن رطوبة
~~مخاطية بيضاء ذات نكتة سوداء يعافها الناظر وفيه ملوحة عذبة زعموا ويباع
~~بالكيل.
### || 1.4 الفصل الرابع في اقتصاص ما شوهد من آثارها القديمة
# [1.4.1]
# أما ما يوجد بمصر من الآثار القديمة فشيء لم أر ولم أسمع بمثله في غيرها
~~فأقتصر على أعجب ما شاهدته.
[1.4.2]
# فمن ذلك الأهرام وقد أكثر الناس من ذكرها ووصفها ومساحتها وهي كثيرة
~~العدد جدا وكلها ببر الجيزة وعلى سمت مصر القديمة وتمتد في نحو مسافة يومين
~~وفي بوصير منها شيء كثير وبعضها كبار وبعضها صغار وبعضها طين ولبن وأكثرها
~~حجر وبعضها مدرج وأكثرها مخروط أملس.
[1.4.3]
# وقد كان منها بالجيزة عدد كثير لكنها صغار فهدمت في زمن صلاح الدين يوسف
~~بن أيوب على يدي قراقوش بعض الأمراء وكان خصيا روميا سامي الهمة وكان يتولى
~~عمائر مصر وهو الذي بنى السور من الحجارة محيطا بالفسطاط والقاهرة وما
~~بينهما وبالقلعة التي على المقطم وهو أيضا الذي بنى القلعة وأنبط فيها
~~البئرين الموجودتين اليوم وهما أيضا من العجائب وينزل إليهما بدرج نحو ثلاث
~~مائة درجة.
[1.4.4]
# وأخذ حجارة هذه الأهرام الصغار وبنى بها القناطر الموجودة اليوم بالجيزة
~~وهذه القناطر من الأبنية العجيبة أيضا ومن أعمال الجبارين وتكون نيفا
~~وأربعين قنطرة وفي هذه السنة وهي سنة سبع وتسعين وخمس مائة تولى أمرها من
~~لا بصيرة عنده فسدها رجاء أن يحتبس الماء فيروي الجيزة فقويت عليها جرية
~~الماء فزلزلت منها ثلاث قناطر وانشقت ومع ذلك فلم يرو ما رجا أن يروى. وقد
~~بقي من هذه الأهرام المهدومة قلبها وحشوتها وهي ردم وحجارة صغار لا تصلح
~~للقناطر فلأجل ذلك تركت.
[1.4.5]
# وأما الأهرام المتحدث عنها المشار إليها الموصوفة بالعظم فثلاثة أهرام
~~موضوعة على خط مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط وبينها مسافات يسيرة وزواياها
~~متقابلة نحو المشرق واثنان منها عظيمان جدا وفي قدر واحد وبهما أولع
~~الشعراء وشبهوهما بنهدين قد نهدا في صدر الديار المصرية وهما متقاربان جدا
~~ومبنيان بالحجارة البيض وأما الثالث فينقص عنهما بنحو الربع لكنه مبني
~~بحجارة الصوان الأحمر المنقط الشديد الصلابة ولا يؤثر فيه الحديد إلا في
~~الزمن الطويل وتجده صغيرا بالقياس إلى ذينك فإذا قربت منه وأفردته بالنظر
~~هالك مرآه وحسر الطرف عند تأمله.
[1.4.6]
# وقد سلك في بناية الأهرام طريق عجيب من الشكل والإتقان ولذلك صبرت على
~~ممر الزمان بل على ممرها صبر الزمان فإنك إذا تبحرتها وجدت الأذهان الشريفة
~~قد استهلكت فيها والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها والأنفس النيرة قد
~~أفاضت عليها أشرف ما عندها لها والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل
~~مثلا هي غاية إمكانها حتى أنها تكاد تحدث عن قومها وتخبر بحالهم وتنطق عن
~~علومهم وأذهانهم وتترجم عن سيرهم وأخبارهم.
[1.4.7]
# وذلك أن وضعها على شكل مخروط يبتدئ من قاعدة مربعة وينتهي إلى نقطة ومن
~~خواص الشكل المخروط أن مركز ثقله في وسطه فهو يتساند على نفسه ويتواقع على
~~ذاته ويتحامل بعضه على بعض فليس له جهة أخرى خارجة عنه يتساقط عليها ومن
~~عجيب وضعه أنه شكل مربع قد قوبل بزواياه مهاب الرياح الأربع فإن الريح
~~تنكسر سورتها عند مصادمتها الزاوية وليست كذلك عندما تلقى السطح.
[1.4.8]
# ولنرجع إلى ذكر الهرمين العظيمين فإن المساح ذكروا أن قاعدة كل منهما
~~أربع مائة ذراع طولا في مثلها عرضا وارتفاع عمودها أربع مائة ذراع وذلك كله
~~بالذراع السوداء وينقطع المخروط في أعلاه عند سطح مساحته عشر أذرع في مثلها.
[1.4.9]
# وأما الذي شاهدته من حالهما فإن راميا كان معنا رمى سهما في قطر أحدهما
~~وفي سمكه فسقط السهم دون نصف المسافة. وخبرنا أن في القرية المجاورة لهما
~~قوما قد اعتادوا ارتقاء الهرم بلا كلفة فاستدعينا رجلا منهم ورضخنا له بشيء
~~فجعل يصعد فيها كما يرقى أحدنا في الدرج بل أسرع ورقي بنعليه وأثوابه وكانت
~~سابغة وكنت أمرته أنه إذا استوى على سطحه قاسه بعمامته فلما نزل ذرعنا من
~~عمامته مقدار ما كان قاس فكان إحدى عشرة ذراعا بذراع اليد.
[1.4.10]
# ورأيت بعض أرباب القياس قال ارتفاع عمودها ثلاثمائة ذراع ونحو سبع عشرة
~~ذراعا تحيط به أربعة سطوح مثلثات الأضلاع طول كل ضلع منها أربع مائة ذراع
~~وستون ذراعا وأرى هذا القياس خطاء ولو جعل العمود أربع مائة ذراع لصح قياسه
~~وإن ساعدت المقادير توليت قياسه بنفسي.
[1.4.11]
# وفي أحد هذين الهرمين مدخل يلجه الناس يفضي بهم إلى مسالك ضيقة وأسراب
~~متنافذة وآبار ومهالك وغير ذلك مما يحكيه من يلجه ويتوغله فإن ناسا كثيرين
~~لهم غرام به وتخيل فيه فيوغلون في أعماقه ولا بد أن ينتهوا إلى ما يعجزون
~~عن سلوكه وأما المسلوك فيه المطروق كثيرا فزلاقة تفضي إلى أعلاه فيوجد فيه
~~بيت مربع فيه ناووس من حجر وهذا المدخل ليس هو الباب المتخذ له في أصل
~~البناء وإنما هو منقوب نقبا صودف اتفاقا وذكر أن المأمون هو الذي فتحه.
[1.4.12]
# وجل من كان معنا ولجوا فيه وصعدوا إلى البيت الذي في أعلاه فلما نزلوا
~~حدثوا بعظيم ما شاهدوا وأنه مملوء بالخفافيش وأبوالها حتى يكاد يمنع السالك
~~ويعظم فيها الخفاش حتى يكون في قدر الحمام وفيه طاقات وروازن نحو أعلاه
~~وكأنها جعلت مسالك للريح ومنافذ للضوء وولجته مرة أخرى مع جماعة وبلغت نحو
~~ثلثي المسافة فأغمي علي من هول المطلع فرجعت برمق.
[1.4.13]
# وهذه الأهرام مبنية بحجارة جافية يكون طول الحجر منها ما بين عشر أذرع
~~إلى عشرين ذراعا وسمكه ما بين ذراعين إلى ثلاث وعرضه نحو ذلك والعجب كل
~~العجب في وضع الحجر على الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه بحيث لا تجد
~~بينهما مدخل إبرة ولا خلل شعرة وبينهما طين كأنه الورقة لا أدري ما صنفه
~~ولا ما هو. وعلى تلك الحجارة كتابات بالقلم القديم المجهول الذي لم أجد
~~بديار مصر من يزعم أنه سمع بمن يعرفه وهذه الكتابات كثيرة جدا حتى لو نقل
~~ما على الهرمين فقط إلى صحف لكانت زهاء عشرة آلاف صحيفة.
[1.4.14]
# وقرأت في بعض كتب الصابئة القديمة أن أحد هذين الهرمين هو قبر أغاذيمون
~~والآخر قبر هرميس ويزعمون أنهما نبيان عظيمان وأن أغاذيمون أقدم وأعظم وأنه
~~كان يحج إليهما ويهوى نحوهما من أقطار الأرض. وقد وسعنا القول في المنقول
~~في الكتاب الكبير فمن أراد التوسعة فعليه به فإن هذا الكتاب مقصور على
~~المشاهد.
[1.4.15]
# وكان الملك العزيز عثمن بن يوسف لما استقل بعد أبيه سول له جهلة أصحابه
~~أن يهدم هذه الأهرام فبدأ بالصغير الأحمر وهو ثالثة الأثافي فأخرج إليه
~~الحلبية والنقابين والحجارين وجماعة من عظماء دولته وأمراء مملكته وأمرهم
~~بهدمه ووكلهم بخرابه فخيموا عندها وحشروا عليها الرجال والصناع ووفروا
~~عليهم النفقات.
[1.4.16]
# وأقاموا نحو ثمانية أشهر بخيلهم ورجلهم يهدمون كل يوم بعد بذل الجهد
~~واستفراغ الوسع الحجر والحجرين فقوم من فوق يدفعونه بالأسافين والأمخال
~~وقوم من أسفل يجذبونه بالقلوس والأشطان فإذا سقط سمع له وجبة عظيمة من
~~مسافة بعيدة حتى ترجف له الجبال وتزلزل الأرض ويغوص في الرمل فيتعبون تعبا
~~آخر حتى يخرجوه ثم يضربون فيه الأسافين بعد ما ينقبون لها موضعا ويبيتونها
~~فيه فيتقطع قطعا فتسحب كل قطعة على العجل حتى تلقى في ذيل الجبل وهي مسافة قريبة.
[1.4.17]
# فلما طال ثواؤهم ونفدت نفقاتهم وتضاعف نصبهم ووهت عزائمهم وخارت قواهم
~~كفوا محسورين مذمومين لم ينالوا بغية ولا بلغوا غاية بل كانت غايتهم أن
~~شوهوا الهرم وأبانوا عن عجز وفشل وكان ذلك في سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة.
[1.4.18]
# ومع ذلك فإن الرائي لحجارة الهدم يظن أن الهرم قد استؤصل فإذا عاين الهرم
~~ظن أنه لم يهدم منه شيء وإنما جانب منه قد كشط بعضه وحين ما شاهدت المشقة
~~التي يجدونها في هدم كل حجر سألت مقدم الحجارين فقلت له لو بذل لكم ألف
~~دينار على أن تردوا حجرا واحدا إلى مكانه وهندامه هل كان يمكنكم ذلك فأقسم
~~بالله تعالى أنهم ليعجزون عن ذلك ولو بذل لهم أضعافه.
[1.4.19]
# وبإزاء الأهرام من الضفة الشرقية مغاير كثيرة العدد كبيرة المقدار عميقة
~~الأغوار متداخلة وفيها ما هو ذو طباقات ثلاث وتسمى المدينة حتى لعل الفارس
~~يدخلها برمحه ويتخللها يوما أجمع ولا ينهيها لكثرتها وسعتها وبعدها ويظهر
~~من حالها أنها مقاطع حجارة الأهرام وأما مقاطع حجارة الصوان الأحمر فيقال
~~إنها بالقلزم وبأسوان.
[1.4.20]
# وعند هذه الأهرام آثار أبنية جبارة ومغاير كثيرة متقنة وقلما ترى من ذلك
~~شيئا إلا وترى عليه كتابات بهذا القلم المجهول.
[1.4.21]
# وعند هذه الأهرام بأكثر من غلوة صورة رأس وعنق بارزة من الأرض في غاية
~~العظم يسميه الناس أبا الهول ويزعمون أن جثته مدفونة تحت الأرض ويقتضي
~~القياس أن تكون جثته بالنسبة إلى رأسه سبعين ذراعا فصاعدا وفي وجهه حمرة
~~ودهان أحمر يلمع عليه رونق الطراءة وهو حسن الصورة مقبولها عليه مسحة بهاء
~~وجمال كأنه يضحك تبسما.
[1.4.22]
# وسألني بعض الفضلاء ما أعجب ما رأيت فقلت تناسب وجه أبي الهول فإن أعضاء
~~وجهه كالأنف والعين والأذن متناسبة كما تضع الطبيعة الصور متناسبة فإن أنف
~~الطفل مثلا مناسب له وهو حسن به حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوها به
~~وكذلك لو كان أنف الرجل للصبي لتشوهت صورته. وعلى هذا سائر الأعضاء فكل عضو
~~ينبغي أن يكون على مقدار وهيئة بالقياس إلى تلك الصورة وعلى نسبتها فإن لم
~~توجد المناسبة تشوهت الصورة والعجب من مصوره كيف قدر أن يحفظ نظام التناسب
~~في الأعضاء مع عظمها وأنه ليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه ويتقيله.
[1.4.23]
# ومن ذلك الآثار التي بعين شمس وهي مدينة صغيرة يشاهد سورها محدقا بها
~~مهدوما ويظهر من أمرها أنها قد كانت بيت عبادة وفيها من الأصنام الهائلة
~~العظيمة الشكل من نحيت الحجارة يكون طول الصنم زهاء ثلاثين ذراعا وأعضاؤه
~~على تلك النسبة من العظم وقد كان بعض هذه الأصنام قائما على قواعد وبعضها
~~قاعدا بنصبات عجيبة وإتقانات محكمة وباب المدينة موجود إلى اليوم وعلى معظم
~~تلك الحجارة تصاوير الإنسان وغيره من الحيوان وكتابات كثيرة بالقلم المجهول
~~وقلما ترى حجرا غفلا من كتابة أو نقش أو صورة.
[1.4.24]
# وفي هذه المدينة المسلتان المشهورتان ويسميان مسلتي فرعون وصفة المسلة أن
~~قاعدة مربعة طولها عشر أذرع في مثلها عرضا في نحوها سمكا قد وضعت على أساس
~~ثابت في الأرض ثم أقيم عليها عمود مربع مخروط ينيف طوله على مائة ذراع
~~يبتدئ من قاعدة لعل قطرها خمس أذرع وينتهي إلى نقطة وقد لبس رأسها بقلنسوة
~~نحاس إلى نحو ثلاث أذرع منها كالقمع وقد تزنجر بالمطر وطول المدة واخضر
~~وسال من خضرته على بسيط المسلة والمسلة كلها عليها كتابات بذلك القلم.
[1.4.25]
# ورأيت إحدى المسلتين وقد خرت وانصدعت من نصفها لعظم الثقل وأخذ النحاس من
~~رأسها ثم إن حولها من المسال شيئا كثيرا لا يحصى عددها مقاديرها على نصف
~~تلك العظمى أو ثلثها وقلما تجد في هذه المسال الصغار ما هو قطعة واحدة بل
~~فصوصا بعضها على بعض وقد تهدم أكثرها وإنما بقيت قواعدها ورأيت بالإسكندرية
~~مسلتين على سيف البحر في وسط العمارة أكبر من هذه الصغار وأصغر من
~~العظيمتين.
[1.4.26]
# وأما البرابي بالصعيد فالحكاية عن عظمها وإتقان صنعتها وإحكام صورها
~~وعجائب ما فيها من الأشكال والنقوش والتصاوير والخطوط مع إحكام البناء
~~وجفاء الآلات والأحجار مما يفوت الحصر وهي من الشهرة بحيث تغني عن الإطالة
~~في الصفة.
[1.4.27]
# ورأيت بالإسكندرية عمود السواري وهو عمود أحمر منقط من الحجر المانع
~~الصوان عظيم الغلظ جدا شاهق الطول لا يبعد أن يكون طوله سبعين ذراعا وقطره
~~خمس أذرع وتحته قاعدة عظيمة تناسبه وعلى رأسه قاعدة أخرى عظيمة وارتفاعها
~~عليه بهندام يفتقر إلى قوة في العلم برفع الأثقال وتمهر في الهندسة العملية
~~وخبرني بعض الثقات أنه قاس دوره وكان خمسا وسبعين شبرا بالشبر التام.
[1.4.28]
# ثم إني رأيت بشاطئ البحر مما يلي سور المدينة أكثر من أربع مائة عمود
~~مكسرة أنصافا وأثلاثا حجرها من جنس حجر عمود السواري على الثلث منه أو
~~الربع وزعم أهل الإسكندرية قاطبة أنها كانت منتصبة حول عمود السواري وأن
~~بعض ولاة الإسكندرية واسمه قراجا كان واليا عن يوسف بن أيوب فرأى هدم هذه
~~السواري وتكسيرها وإلقاءها بشاطئ البحر زعم أن ذلك يكسر سورة الموج عن سور
~~المدينة أو أن يمنع مراكب العدو أن تسند إليه وهذا من عبث الولدان ومن فعل
~~من لا يفرق بين المصلحة والمفسدة.
[1.4.29]
# ورأيت أيضا حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح
~~وبعضها مكسور ويظهر من حالها أنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود
~~السواري عليه قبة هو حاملها وأرى أنه الرواق الذي كان يدرس فيه أرسطوطاليس
~~وشيعته من بعده وأنه دار العلم الذي بناه الإسكندر حين بنى مدينته وفيها
~~كانت خزانة الكتب التي حرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه.
[1.4.30]
# وأما المنارة فحالها مشهور يغني عن وصفها وذكر ذوو العناية أن طولها
~~مائتا ذراع وخمسون ذراعا.
[1.4.31]
# وقرأت بخط بعض المحصلين أنه قاس العمود بقاعدتيه فكان اثنتين وستين ذراعا
~~وسدس ذراع وهو على جبل طوله ثلاث وعشرون ذراعا ونصف ذراع فصارت جملة ذلك
~~خمسا وثمانين ذراعا وثلثي ذراع وطول القاعدة السفلى اثنتا عشرة ذراعا وطول
~~القاعدة العليا سبع أذرع ونصف ذراع.
[1.4.32]
# وقاس أيضا المنارة فوجدها مائتي ذراع وثلاثا وثلاثين ذراعا وهي ثلاث
~~طبقات الطبقة الأولى مربعة وهي مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعا والطبقة
~~الثانية مثمنة وطولها إحدى وثمانون ذراعا ونصف ذراع والطبقة الثالثة مدورة
~~وطولها إحدى وثلاثون ذراعا ونصف ذراع وفوق ذلك مسجد ارتفاعه نحو عشر أذرع.
[1.4.33]
# ومن ذلك الآثار التي بمصر القديمة وهذه المدينة بالجيزة فويق الفسطاط وهي
~~منف التي كان يسكنها الفراعنة وكانت مستقر مملكة ملوك مصر وإياها عني بقوله
~~تعالى عن موسى عليه السلام @QUR@07 {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}
~~وبقوله تعالى @QUR@04 {فخرج منها خائفا يترقب} لأن مسكنه عليه السلام كان
~~بقرية بالجيزة قريبة من المدينة تسمى دموه وبها اليوم دير لليهود.
[1.4.34]
# ومقدار خرابها اليوم مسيرة نصف يوم في نحوه وقد كانت عامرة في زمن
~~إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام وقبلهم بما شاء الله تعالى وبعدهم إلى
~~زمن بخت نصر فإنه أخرب ديار مصر وبقيت على خرابه أربعين سنة وسبب إخرابه
~~إياها أن ملكها عصم منه اليهود حين التجأوا إلى مصر ولم يمكن منهم بخت نصر
~~فقصده بخت نصر وأباد دياره ثم جاء الإسكندر بعد ذلك واستولى عليها وعمر بها
~~الإسكندرية وجعلها مقر الملك ولم تزل على ذلك إلى أن جاء الإسلام ففتحت على
~~يد عمرو بن العاص وجعل مقر الملك بالفسطاط ثم جاء المعز من المغرب وبنى
~~القاهرة وجعلها مقر الملك إلى اليوم وقد ذكرنا ذلك مشروحا مفصلا في الكتاب
~~الكبير.
[1.4.35]
# ولنرجع إلى وصف منف المسماة مصر القديمة فهذه المدينة مع سعتها وتقادم
~~عهدها وتداول الملل عليها واستئصال الأمم إياها من تعفية آثارها ومحو
~~رسومها ونقل حجارتها وآلاتها وإفساد أبنيتها وتشويه صورها مضافا إلى ما
~~فعلته فيها أربعة آلاف سنة فصاعدا تجد فيها من العجائب ما يفوت فهم الفطن
~~المتأمل ويحصر دون وصفه البليغ اللسن وكلما زدته تأملا زادك عجبا وكلما
~~زدته نظرا زادك طربا ومهما استنبطت منه معنى أنبأك بما هو أغرب ومهما
~~استثرت منه علما دلك على أن وراءه ما هو أعظم.
[1.4.36]
# فمن ذلك البيت المسمى بالبيت الأخضر وهو حجر واحد تسع أذرع ارتفاعا في
~~ثمان طولا في سبع عرضا قد حفر في وسطه بيت قد جعل سمك حيطانه وسقفه وأرضه
~~ذراعين ذراعين والباقي فضاء البيت وجميعه ظاهرا وباطنا منقوش ومصور ومكتوب
~~بالقلم القديم وعلى ظاهره صورة الشمس مما يلي مطلعها وصور كثير من الكواكب
~~والأفلاك وصور الناس والحيوان على اختلاف من النصبات والهيئات فمن بين قائم
~~وماش وماد رجليه وصافهما ومشمر للخدمة وحامل آلات ومشير بها. ينبئ ظاهر
~~الأمر أنه قصد بذلك محاكاة أمور جليلة وأعمال شريفة وهيئات فاضلة وإشارات
~~إلى أسرار غامضة وأنها لم تتخذ عبثا ولم يستفرغ في صنعتها الوسع لمجرد
~~الزينة والحسن.
[1.4.37]
# وقد كان هذا البيت ممكنا على قواعد من حجارة الصوان العظيمة الوثيقة فحفر
~~تحتها الجهلة والحمقى طمعا في المطالب فتغير وضعه وفسد هندامه واختلف مركز
~~ثقله وثقل بعضه على بعض فتصدع صدوعا لطيفة يسيرة وهذا البيت قد كان في هيكل
~~عظيم مبني بحجارة عاتية جافية على أتقن هندام وأحكم صنعة.
[1.4.38]
# وفيها قواعد على عمد عظيمة وحجارة الهدم متواصلة في جميع أقطار هذا
~~الخراب وقد بقي في بعضها حيطان ماثلة بتلك الحجارة الجافية وفي بعضها آساس
~~وفي بعضها أطلال ورأيت عقد باب شاهقا ركناه حجران فقط وأزجه حجر واحد قد
~~سقط بين يديه.
[1.4.39]
# وتجد هذه الحجارة مع الهندام المحكم والوضع المتقن قد حفر بين الحجرين
~~منها نحو شبر في ارتفاع إصبعين وفيه صدأ النحاس وزنجرته فعلمت أن ذلك قيود
~~لحجارة البناء وتوثيق لها ورباطات بينها بأن يجعل بين الحجرين ثم يصب عليه
~~الرصاص وقد تتبعها الأنذال والمحدودون فقلعوا منها ما شاء الله تعالى
~~وكسروا لأجلها كثيرا من الحجارة حتى يصلوا إليها ولعمر الله لقد بذلوا
~~الجهد في استخلاصها وأبانوا عن تمكن من اللؤم وتوغل في الخساسة.
[1.4.40]
# وأما الأصنام وكثرة عددها وعظم صورها فشيء يفوت الوصف ويتجاوز التقدير
~~وأما إتقان أشكالها وإحكام هيئاتها والمحاكاة بها الأمور الطبيعية فموضع
~~التعجب بالحقيقة فمن ذلك صنم ذرعناه سوى قاعدته فكان نيفا وثلاثين ذراعا
~~وكان مداه من جهة اليمين إلى اليسار نحو عشر أذرع ومن جهة الخلف إلى الأمام
~~على تلك النسبة وهو حجر واحد من الصوان الأحمر وعليه من الدهان الأحمر كأنه
~~لم يزده تقادم الأيام إلا جدة والعجب كل العجب كيف حفظ فيه مع عظمه النظام
~~الطبيعي والتناسب الحقيقي.
[1.4.41]
# وأنت تعلم أن كل واحد من الأعضاء الآلية والمتشابهة له في نفسه مقدار ما
~~وله إلى سائر الأعضاء نسبة ما بذلك المقدار وبتلك النسبة يحصل حسن الهيئة
~~وملاحة الصورة فإن اختل شيء من ذلك حدث من القبح بمقدار الخلل وقد أحكم في
~~هذه الأصنام هذا النظام إحكاما أي إحكام فمن ذلك مقادير الأعضاء في نفسها
~~ثم نسب بعضها إلى بعض.
[1.4.42]
# فإنك ترى الصنم قد ابتدئ بانفصال صدره عن عنقه عند الترقوة بتناسب بليغ
~~ثم يأخذ الصدر في ارتفاع الترائب إلى الثندوتين فيرتفعان عما دونهما
~~ويفرزان عن سائر الصدر بنسبة عجيبة ثم يعلوان إلى حد الحلمة ثم تصور الحلمة
~~مناسبة لتلك الصورة الهائلة ثم تنحدر إلى الموضع المطمئن عند القص وفرجة
~~الزور وزر القلب وإلى تجعيد الأضلاع والتوائها كما هو موجود في الحيوان
~~الحقيقي ثم تنحدر إلى مقاط الأضلاع ومراق البطن والتواء العصب وعضل البطن
~~يمينا وشمالا وتوترها وارتفاعها وانخفاض ما دون السرة مما يلي الأقراب ثم
~~تحقيق السرة وتوتر العضل حولها ثم الانحدار إلى الثنة والحالبين وعروق
~~الحالب والخروج منه إلى عظمي الوركين.
[1.4.43]
# وكذلك تجد انفصال الكتف واتصالها بالعضد ثم بالساعد وانفتال حبل الذراع
~~والكوع والكرسوع وإبرة المرفق ونهري مفصل الساعد من العضد وعضل الساعد
~~ورطوبة اللحم وتوتر العصب وغير ذلك مما يطول شرحه.
[1.4.44]
# وقد صور كف بعضها قابضا به على عمود قطره شبر كأنه كتاب وصورت الغضون
~~والأسارير التي تحدث في جلدة الكف مما يلي الخنصر عندما يقبض الإنسان كفه
~~وأما حسن أوجهها وتناسبها فعلى أكمل ما في القوى البشرية أن تفعله وأتم ما
~~في المواد الحجرية أن تقبله ولم يبق إلا صورة اللحم والدم وكذلك صورة الأذن
~~وحتارها وتعاريجها على غاية التمثيل والتخييل.
[1.4.45]
# ورأيت أسدين متقابلين بينهما أمد قريب وصورهما هائلة جدا وقد حفظ فيهما
~~النظام الطبيعي والتناسب الحيواني مع كونهما أعظم جثة من الحيوان الحقيقي
~~جدا جدا وقد تكسرا وردما بالتراب. ووجدنا من سور المدينة قطعة صالحة مبنية
~~بالحجارة الصغار والطوب وهذا الطوب كبير جاف مطاول الشكل ومقداره نصف الآجر
~~الكسروي بالعراق كما أن طوب مصر اليوم نصف آجر العراق اليوم أيضا.
[1.4.46]
# وإذا رأى اللبيب هذه الآثار عذر العوام في اعتقادهم على الأوائل بأن
~~أعمارهم كانت طويلة وجثثهم عظيمة أو أنه كان لهم عصا إذا ضربوا بها الحجر
~~سعى بين أيديهم وذلك أن الأذهان تقصر عن مقدار ما يحتاج إليه في ذلك من علم
~~الهندسة واجتماع الهمة وتوفر العزيمة ومصابرة العمل والتمكن من الآلات
~~والتفرغ للأعمال والعلم بمعرفة أعضاء الحيوان وخاصة الإنسان ومقاديرها ونسب
~~بعضها من بعض وكيفية تركيبها ونصباتها ومقادير وضع بعضها من بعض.
[1.4.47]
# فإن النصف الأسفل من الإنسان أعظم من النصف الأعلى منه أعني التنور
~~بمقدار معلوم بخلاف سائر الحيوان والإنسان المعتدل طوله ثمانية أشبار بشبر
~~نفسه وطول يده إلى طي مرفقه أعني موضع فصاده شبران بشبره وعضده شبر وربع
~~وهكذا جميع عظامه الصغار والكبار والقصب والسناسن والسلاميات حافظة للنظام
~~في مقاديرها ونسب بعضها إلى بعض.
[1.4.48]
# وكذلك سائر الأعضاء الباطنة والظاهرة كانخفاض اليافوخ عن ذروة الرأس
~~ونتوئه عما دونه وامتداد الجبهة والجبينين وتطامن الصدغين ونتوء عظمي
~~الوجنتين وسهولة الخدين وانخراط الأنف ولين المارن وانفراج المنخرين
~~وامتداد الوترة ودقة الشفتين واستدارة الحنك وانخراط الفكين وغير ذلك مما
~~تضيق عنه العبارة وإنما يدرك بالمشاهدة وبالتشريح والتأمل.
[1.4.49]
# وقد ذكر أرسطوطاليس فصلا في المقالة الحادية عشرة من كتاب الحيوان له يدل
~~على أن القوم كان لهم حذاقة وإتقان لمعرفة أعضاء الحيوان وتناسبها وأن جميع
~~ما أدركوه وإن جل فهو حقير تافه بالقياس إلى الأمر الحقيقي المطبوع وإنما
~~يستعظم ما عرفه الإنسان منه بالقياس إلى ضعف قوته وبالقياس إلى باقي نوعه
~~ممن يعجز عما قدر عليه كما يتعجب من النملة إذا حملت حبة شعير ولا يتعجب من
~~الفيل إذا حمل قناطير.
[1.4.50]
# وهذا فص كلامه بإصلاحي قال من العجب أن نستحب علم أحكام التصاوير وعمل
~~الأصنام وإفراغها ونتبين حكمته ولا نستحب معرفة الأشياء المقومة بالطبيعة
~~ولا سيما إذا قوينا على معرفة عللها ولذلك لا ينبغي لنا أن نكره النظر في
~~طباع الحيوان الحقير الذي ليس بكريم ولا يثقل ذلك علينا كما يثقل على
~~الصبيان ففي جميع الأشياء الطباعية شيء عجيب ولذلك ينبغي لنا أن نطلب معرفة
~~طباع كل واحد من الحيوان ونعلم أن في جميعه شيئا طباعيا كريما لأنه لم يطبع
~~شيء منها على وجه الباطل ولا كما جاء واتفق ولا بالبخت بل كل ما يكون من
~~قبل الطباع فإنما يكون لشيء أعني لحال التمام ولذلك صار له مكان ومرتبة
~~وفضيلة صالحة. فتبارك الله أحسن الخالقين.
[1.4.51]
# وأما باطن الحيوان وتجويفاته وما فيها من العجائب التي تشتمل على وصفها
~~كتب التشريح لجالينوس وغيره وكتاب منافع الأعضاء له فإن أيسر اليسير منه
~~يبهت دونه المصور حسيرا ولا يجد له على ذلك ظهيرا ويعلم مصداق قوله تعالى
~~@QUR@03 {وخلق الإنسان ضعيفا} .
[1.4.52]
# وأقول إن التعجب من الأمور الصناعية يضاهي التعجب من الأمور الطباعية لأن
~~الأمور الصناعية هي بوجه ما طباعية وذلك أنها حادثة عن قوى طباعية وكما أن
~~المهندس إذا حرك ثقلا عظيما استحق أن يتعجب منه فكذلك إذا صنع صورة من خشب
~~مثلا تحرك تلك الصورة ثقلا ما كان ذلك المهندس أحرى أن يتعجب منه @QUR@04
~~{والله خلقكم وما تعملون} .
[1.4.53]
# فتبارك من ملكوته سار في عالمي الغيب والشهادة @QUR@04 {وفي أنفسكم أفلا
~~تبصرون} ونور جلاله ساطع فلا ينهنهه حجاب @QUR@06 {يعلم خائنة الأعين وما
~~تخفي الصدور} ومن أشباح الموجودات بقدرته قائمة وبإرادته متحركة وساكنة
~~وبنفاذ أمره فيها فرحة وباقترابها من حضرة قدسه مبتهجة ولتكثرها تشهد