forked from OpenITI/barzakh
-
Notifications
You must be signed in to change notification settings - Fork 0
/
Copy path0642IbnNajjar.DurraThamina.Shamela0008362BK3-ara2
2842 lines (2838 loc) · 315 KB
/
0642IbnNajjar.DurraThamina.Shamela0008362BK3-ara2
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604
605
606
607
608
609
610
611
612
613
614
615
616
617
618
619
620
621
622
623
624
625
626
627
628
629
630
631
632
633
634
635
636
637
638
639
640
641
642
643
644
645
646
647
648
649
650
651
652
653
654
655
656
657
658
659
660
661
662
663
664
665
666
667
668
669
670
671
672
673
674
675
676
677
678
679
680
681
682
683
684
685
686
687
688
689
690
691
692
693
694
695
696
697
698
699
700
701
702
703
704
705
706
707
708
709
710
711
712
713
714
715
716
717
718
719
720
721
722
723
724
725
726
727
728
729
730
731
732
733
734
735
736
737
738
739
740
741
742
743
744
745
746
747
748
749
750
751
752
753
754
755
756
757
758
759
760
761
762
763
764
765
766
767
768
769
770
771
772
773
774
775
776
777
778
779
780
781
782
783
784
785
786
787
788
789
790
791
792
793
794
795
796
797
798
799
800
801
802
803
804
805
806
807
808
809
810
811
812
813
814
815
816
817
818
819
820
821
822
823
824
825
826
827
828
829
830
831
832
833
834
835
836
837
838
839
840
841
842
843
844
845
846
847
848
849
850
851
852
853
854
855
856
857
858
859
860
861
862
863
864
865
866
867
868
869
870
871
872
873
874
875
876
877
878
879
880
881
882
883
884
885
886
887
888
889
890
891
892
893
894
895
896
897
898
899
900
901
902
903
904
905
906
907
908
909
910
911
912
913
914
915
916
917
918
919
920
921
922
923
924
925
926
927
928
929
930
931
932
933
934
935
936
937
938
939
940
941
942
943
944
945
946
947
948
949
950
951
952
953
954
955
956
957
958
959
960
961
962
963
964
965
966
967
968
969
970
971
972
973
974
975
976
977
978
979
980
981
982
983
984
985
986
987
988
989
990
991
992
993
994
995
996
997
998
999
1000
######OpenITI#
#META# 000.SortField :: Shamela_0008362
#META# 000.BookURI :: NOCODE
#META# 010.AuthorAKA :: NODATA
#META# 010.AuthorNAME :: محمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي (المتوفى: 832هـ)
#META# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN
#META# 011.AuthorDIED :: 832
#META# 019.AuthorDIED :: NODATA
#META# 020.BookTITLE :: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
#META# 020.BookTITLESUB :: NODATA
#META# 021.BookSUBJ :: التاريخ
#META# 022.BookVOLS :: 2
#META# 025.BookLANG :: NODATA
#META# 029.BookTITLEalt :: NODATA
#META# 030.LibURI :: Shamela_0008362
#META# 030.LibURIextra :: NODATA
#META# 031.LibREADONLINE :: http://shamela.ws/browse.php/book-8362
#META# 031.LibURL :: http://shamela.ws/index.php/book/8362
#META# 031.LibURLFILE :: NODATA
#META# 031.LibURLextra :: NODATA
#META# 040.EdALL :: NODATA
#META# 040.EdEDITOR :: NODATA
#META# 041.EdNUMBER :: الأولى 1421هـ-2000م
#META# 041.EdNumber :: NODATA
#META# 043.EdPUBLISHER :: دار الكتب العلمية
#META# 044.EdPLACE :: NODATA
#META# 045.EdYEAR :: NODATA
#META# 049.EdISBN :: NODATA
#META# 049.EdPAGES :: NODATA
#META# 049.EdPHYSICAL :: NODATA
#META# 049.EdVOLUME :: NODATA
#META# 090.RecMISC :: NODATA
#META# 999.MiscINFO :: NODATA
#META#Header#End#
### | مقدمة بقلم اللجنة التي أشرف على تحقيق الكتاب
# -1-
# كتاب "الدرة الثمينة، في تاريخ المدينة" كتاب جليل، عظيم الأهمية، كبير
~~النفع، يحتوي على كثير من المعلومات التاريخية الحافلة عن مدينة الرسول،
~~ومسجده النبوي الشريف، صلى الله عليه وسلم- وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
# وهذا الكتاب يكاد يكون من أقدم المصادر التاريخية التي وصلتنا في تاريخ
~~المدينة، بعد تاريخ المدينة لابن زبالة الذي ألفه عام 199ه، وهو من هذه
~~الناحية يعد مصدرا أصيلا لا غنى لباحث أو محقق عن الرجوع إليه، والإفادة
~~منه.
# وها هو ذا ينشره الرجل الإسلامي الكبير: معالي الشيخ محمد سرور الصبان،
~~بمعاونة أصحاب مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة: عبد الحفيظ وعبد الشكور
~~عبد الفتاح فدا، في هذه الطبعة الجديدة المنقحة المحققة، ملحقا لكتاب "شفاء
~~الغرام، بأخبار البلد الحرام" الذي تحدث فيه مؤلفه الفاسي عن محمد الحجاز
~~الكبرى ما عدا المدينة، وقد آثرنا نشره هنا لتمام الفائدة.
# وقد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على ثلاث نسخ:
### | 1-
# الأولى نسخة إستامبول الخطية لهذا الكتاب، وتقع في سبع وستين ورقة من
~~القطع المتوسط، وقد كتب اسم الكتاب في الورقة الأولى، ونص الاسم كما هو
~~مثبت فيها هو: "كتاب تاريخ المدينة المشرفة وفضائلها، على ساكنها الصلاة
~~والسلام، تصنيف الشيخ الأجل أبي عبد الله محمد بن محمود بن النجار، رحمه
~~الله، ونفعنا به"؛ وعلى الورقة الأولى كذلك أن هذا الكتاب وقف على العلماء
~~العاملين بمحمية قسطنطينية في سنة 1073ه. وفي آخر هذه النسخة الخطية كتب
~~اسم ناسخ الكتاب وهو
# PageV02P379
# عبد القاهر بن أحمد بن سليمان بن موهوب، وقد فرغ من نسخه في 5 ربيع الآخر
~~عام 731ه، وقد كتب في الورقة الأخيرة عدة كلمات في غير موضوع الكتاب، وبخط
~~آخر كتب أيضا في آخرها تاريخ هو عام 691ه، وبجواره اسم عثمان بن زيد
~~المالكي.
### | 2-
# والنسخة الثانية هي نسخة المكتبة التيمورية الخطية رقم 912، وقد كتب
~~عليها الدرة الثمينة في أخبار المدينة لمحب الدين محمد بن محمود النجار
~~الحافظ المتوفى عام 643ه1، وتقع في 263 صفحة من القطع الصغير، وهي مكتوبة
~~بخط واضح وفي آخرها ما نصه: تمت نسخة تاريخ المدينة في دار الخلافة العلية
~~على يد كاتبها الحاج أحمد الأنقروي الشهير بعرب شيخ زاده غفر الله ذنوبه
~~وذنوب أبويه في دار الآخرة، في هلال شهر ذي الحجة مضت منه ثلاث يوم الخميس
~~بعد الظهر.
### | 3-
# والنسخة الثالثة هي نسخة مطبوعة عام 1366ه-1947م بمطبعة الرسالة بالقاهرة
~~بتعليق الأستاذ صالح محمد جمال، وتقديم الشيخ محمد بن مانع، وهذه الطبعة
~~بالاعتماد على نسخة خطية يبدو من المراجعة أن بها سقطا كثيرا، وتقع هذه
~~الطبعة في 133 صفحة من القطع المتوسط، واسم الكتاب كما هو مكتوب في هذه
~~الطبعة "أخبار مدينة الرسول، المعروف بالدرة الثمينة" للإمام محمد بن محمود
~~النجار. وهذه الطبعة منقولة عن نسخة خطية مكية، تاريخ نسخها عام 1217ه، وهي
~~منقولة عن نسخة خطية أخرى، تاريخ نسخها عام 975ه، وجاء في أصل هذه النسخة:
~~"علقه كما وجده الفقير إلى رحمة الله وكرمه محمد بن عبد اللطيف بن محمد
~~الأشبيلي الخزرجي نزيل حرم الله بتاريخ 11 ربيع الأول عام 975ه ... وكان
~~الفراغ من تعليق هذه النسخة ليلة البدر من شوال سنة 1217ه، مع ما في أصلها
~~من ضياع بعض الكلمات لقدم النسخة، ودثور بعض الألفاظ ومحوها؛ وذلك بيد أحد
~~العبيد المحتاج إلى ربه الفتاح، محمد أبي مرزوق بن أبي الصلاح".
# -3-
# ومؤلف الكتاب هو الشيخ محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن
~~النجار، وشهرته أبو عبد الله البغدادي، ولد عام 573ه، وتلقى ثقافته في
~~الدين والعلوم والآداب على أساتذة أجلاء، ثم عشق الرحلات، فطاف بالعالم
~~الإسلامي شرقا وغربا، نحو ثمان وعشرين سنة، وتوفي في 5 شعبان عام 647ه2 عن
~~خمسة وسبعين عام ... وله مؤلفات كثيرة من أهمها:
### | 1-
# تاريخ المدينة المشرفة وفضائلها، وهو هذا الكتاب. PageV02P380
### | 2-
# أخبار مكة.
### | 3-
# بيت المقدس.
### | 4-
# الذيل على تاريخ مدينة السلام خمسة مجلدات.
### | 5-
# غرر الفوائد، خمسة مجلدات.
### | 6-
# الكافي في أسماء الرجال.
### | 7-
# القمر المنير، في المسند الكبير.
### | 8-
# كنز الأيام، في معرفة الأحكام.
### | 9-
# نهج الإصابة في معرفة الصحابة.
# أثابه الله على جهوده في خدمة الدين والعلم والإسلام خير الثواب ورحمه
~~الله رحمة واسعة.
# -4-
# وبعد فقد بذلنا كل ما أمكننا بذله من مجهود في مراجعة النصوص، وتحقيق
~~الروايات، وضبط الأعلام والتعليق على التواريخ، وتخريج الأحاديث؛ ليخرج
~~الكتاب في أروع حلة، وأجمل صورة.
# والكتاب صورة لعلم مؤلفه وفضله، ولا غرو فقد كانت له مكانة علمية رفيعة
~~في عصره، مما جعل هذا الكتاب القيم ذا البحوث المنوعة، والأبواب المختلفة،
~~جديرا بكل عناية، حريا بكل ما يبذل فيه من مجهود.
# ولا يفوتنا أن ننوه بفضل كل من ساعدنا وأمدنا بمعلومات ساعدت على خدمة
~~هذا الكتاب وإخراجه في مظهر لائق به، وفي مقدمة هؤلاء سعادة الشيخ صالح
~~القزاز.
# وفي آخر الكتاب وضعنا عدة ملاحق في عمارة المسجد النبوي الشريف، وفي آثار
~~المدينة؛ وذلك لتكون المعلومات التي تضمنتها هذه الملاحق معاونة على تتبع
~~تاريخ المدينة بعد عصر المؤلف حتى اليوم، ولنثبت تاريخ العمارة في مسجد
~~الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه منذ العصر النبوي إلى اليوم.
# وفقنا الله إلى الصواب، بفضله وكرمه، إنه على ما يشاء قدير، وصلى الله
~~على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وما توفيقنا إلا بالله.
# PageV02P381
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | مقدمة المؤلف
# وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
# أخبرنا الفقيه الأجل الإمام العالم الشريف العدل: تاج الدين علي بن أبي
~~العباس أحمد ابن الشيخ الأجل أبي محمد عبد المحسن بقراءتي عليه.
# أخبرنا الشيخ الفقيه الأجل أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار بقراءة
~~أبي عليه، وقراءة ابن الوليد عليه وأنا أسمع ... قال:
# الحمد لله حمدا يقتضي من إحسانه المزيد، ويبلغنا من رضوانه ما نؤمل وما
~~نريد، وصلى الله على من هدانا إلى المنهج السديد، محمد الذي هو على أمته
~~شهيد، وعلى آله وأصحابه ذوي المجد المشيد، ما سار راكب في البيد.
# وبعد؛ فإنني لما دخلت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وأسعدت بزيارته،
~~أقمت بها فاجتمعت بجماعة من أهل الصلاة والعلم والفضل من المجاورين بها،
~~وفقهم الله وإيانا، فسألوني عن "فضائل المدينة وأخبارها" فأخبرتهم بما تعلق
~~في خاطري من ذلك، فسألوني إثباته في أوراق، فاعتذرت إليهم بأن الحفظ قد
~~يزيد وينقص، ولو كانت كتبي حاضرة كنت أجمع كتابا في ذلك شافيا لما في
~~النفس، فألحوا علي وقالوا: تحصيل اليسير، خير من فوات الكثير، وهذه1 مع
~~شرفها قد خلت ممن يعرف من أخبارها شيئا، ونحن نحب أن يكون لك بها أثر2 صالح
~~تذكر به، فأجبتهم إلى ذلك رجاء لبركتهم، واغتناما لامتثال أمرهم، وقضاء لحق
~~جوارهم وصحبتهم، وطلبا لما عند الله تعالى بنشر فضائل دار الهجرة ومنبع
~~الوحي، وذكر أخبارها والترغيب في سكناها والحث على زيارة المدفون بها.
~~PageV02P383
# صلوات الله عليه وسلامه، واستخرت الله، وأثبت في هذا الكتاب ما تيسر من
~~ذلك بعون الله تعالى وحسن توفيقه، ثم إني ذكرت1 أكثره بغير إسناد؛ لتعذر
~~حضور أصولي ... وأنا أسأل الله تعالى أن يجعل ذلك لوجهه خالصا وإليه مقربا،
~~ولنا ولهم نافعا في الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير.
# وقد قسمته ثمانية عشر بابا، والله الموفق للصواب:
# الباب الأول: في ذكر أسماء المدينة وأول ساكنيها.
# الباب الثاني: في ذكر فتح المدينة.
# الباب الثالث: في ذكر هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إليها.
# الباب الرابع: في ذكر فضائلها.
# الباب الخامس: في ذكر تحريمها وحدود حرمها.
# الباب السادس: في ذكر وادي العقيق وفضله.
# الباب السابع: في ذكر آبار المدينة وفضلها.
# الباب الثامن: في ذكر جبل أحد وفضله وفضائل الشهداء به.
# الباب التاسع: في ذكر إجلاء بني النضير من المدينة.
# الباب العاشر: في ذكر حفر الخندق حول المدينة.
# الباب الحادي عشر: في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة.
# الباب الثاني عشر: في ذكر مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وفضله.
# الباب الثالث عشر: في ذكر المساجد التي بالمدينة وفضلها.
# الباب الرابع عشر: في ذكر مسجد الضرار وهدمه.
# الباب الخامس عشر: في ذكر وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه رضي
~~الله عنهما.
# الباب السادس عشر: في ذكر فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم.
# الباب السابع عشر: في ذكر البقيع وفضله.
# الباب الثامن عشر: في ذكر أعيان من سكن المدينة من الصحابة والتابعين من
~~بعدهم، ومن الله نستمد الهداية والسداد، إلى سبل الحق والرشاد. PageV02P384
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | الباب الأول- في ذكر أسماء المدينة وأول من سكنها
# 1:
# أنبأنا ذاكر بن كامل قال: كتب إلى أبي علي الحداد أن أبا نعيم الحافظ
~~أخبره إجازة عن أبي محمد المخلدي قال: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن المخزومي
~~حدثنا الزبير بن بكار حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة عن إبراهيم بن أبي يحيى
~~قال: للمدينة في التوراة أحد عشر اسما : المدينة، وطيبة2، وطابة، والمسكينة،
~~وجابرة، والمجبورة، والمرحومة، والعذراء، والمحبة، والمحبوبة، والقاصمة.
~~وقال ابن زبالة عن عبد العزيز بن محمد بن موسى بن عقبة عن عطاء بن مروان عن
~~أبيه عن كعب قال: نجد في كتاب الله الذي نزل على موسى أن الله تعالى قال
~~للمدينة: "يا طيبة يا طابة يا مسكينة لا تقبلي الكنوز، ارفعي أجاجيرك3 على
~~أجاجير القرى". قال عبد العزيز بن محمد: وبلغني أن لها في التوراة أربعين
~~اسما. وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
~~أنه قال: "إن الله تعالى سمى المدينة طابة". وفي الصحيحين أن النبي -صلى
~~الله عليه وسلم- قال: "هي المدينة يثرب"، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى:
~~"يثرب اسم أرض"، ومدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ناحية منها، وقال
~~ابن زبالة: كانت يثرب أم قرى المدينة وهي ما بين طرف "قناة" إلى طرف
~~"الجرف"، وما بين المال الذي يقال له البرناوي إلى زبالة.
# وكانت زهرة4 من أعظم قرى المدينة، قيل كان فيها ثلاثمائة صانع من اليهود،
~~وقيل: إن تبعا لما قدم المدينة بعث رائدا ينظر إلى مزارع المدينة فأتاه
~~فقال: قد نظرت PageV02P385
# فأما قناة1 فحب ولا تبن، وأما الحرار2 فلا حب ولا تبن، وأما الجرف فالحب
~~والتبن.
# قال أهل السير: كان أول من نزل المدينة بعد غرق قوم نوح قوم يقال لهم:
~~صعل وفالج، فغزاهم داود النبي عليه السلام، فأخذ منهم مائة ألف عذراء، قال:
~~وسلط الله عليهم الدود في أعناقهم فهلكوا، فقبورهم هذه التي في السهل
~~والجبل، قالوا: وكانت العماليق قد انتشروا في البلاد فسكنوا مكة والمدينة
~~والحجاز كله وعتوا عتوا كبيرا، فبعث إليهم موسى -على نبينا وعليه السلام-
~~جندا من إسرائيل فقتلوهم بالحجاز وأفنوهم.
# وروي عن زيد بن أسلم أنه قال: بلغني أن ضبعا ربيت هي وأولادها رابضة في
~~حجاج3 عين رجل من العماليق. وقال: لقد كان في ذلك الزمان تمضي أربعمائة سنة
~~وما يسمع بجنازة4.
# ذكر سكنى اليهود الحجاز:
# قال: وإنما كان سكن اليهود بلاد الحجاز أن موسى عليه السلام لما أظهره
~~الله على فرعون وأهلكه وجنوده وطيئ الشام، وأهلك من بها وبعث بعثا من
~~اليهود إلى الحجاز، وأمرهم ألا يستبقوا من العماليق أحدا بلغ الحلم، فقدموا
~~عليهم فقتلوهم وقتلوا ملكهم "نبنما" وكان يقال له: الأرقم بن أبي الأرقم
~~وأصابوا ابنا له شابا من أحسن الناس فضنوا به عن القتل وقالوا: نستحييه حتى
~~نقدم به على موسى فيرى فيه رأيه، فأقبلوا وهو معهم وقبض الله موسى قبل
~~قدومهم؛ فلما سمع الناس بقدومهم تلقوهم فسألوهم عن أمرهم فأخبروهم بفتح
~~الله عليهم، وقالوا: لم نستبق منهم أحدا إلا هذا الفتى فإننا لم نر شابا
~~أحسن منه فاستبقيناه حتى نقدم به على موسى فيرى فيه رأيه، فقالت لهم بنو
~~إسرائيل: إن PageV02P386
# هذه لمعصية لمخالفتكم نبيكم، لا والله لا يدخلوا علينا بلادنا، فحالوا
~~بينهم وبين الشام، فقال الجيش: ما بلد إذ منعتم بلدكم خير من البلد الذي
~~خرجتم منه. قال: وكانت الحجاز أكثر بلاد الله شجرا وأظهره ماء. قالوا: وكان
~~هذا أول سكنى اليهود الحجاز بعد العماليق1 وهم يجدون في التوراة أن نبينا
~~يهاجر من العرب إلى بلد فيه نخيل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون صفة
~~البلد؛ فنزل طائفة تيماء وتوطنوا نخلا، ومضى طائفة فلما رأوا خيبر2 ظنوا
~~أنها البلدة التي يهاجر إليها فأقام بعضهم بها ومضى أكثرهم وأشرفهم فلما
~~رأوا يثرب سبخة وحرة ونخلا قالوا: هذا البلد الذي يكون له مهاجر النبي
~~إليها فنزلوه، فنزل النضير بمن معه بطحان فنزلوا منها حيث شاءوا وكان
~~جميعهم بزهرة وهي محل بين الحرة والسافلة مما يلي القف، وكانت لهم الأموال
~~بالسافلة، ونزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول؛ سيل بطحان
~~والعقيق وسيل قناة مما يلي رغاية، قال: وخرجت قريظة وإخوانهم بنو هذل وهدل
~~وعمرو أبناء الخزرج بن الصريح بن التوم بن السبط بن اليسع بن العتين بن عيد
~~بن خيبر بن النجار بن ناجوم بن عازر بن هارون بن عمران، والنصر بن النجار
~~بن الخزرج بن الصريح بعد هؤلاء فتبعوا آثارهم فنزلوا بالعلية على واديين
~~يقال لهما مذينيب ومهزور، فنزلت بنو النضير على مذينيب واتخذوا عليه
~~الأموال ونزل قريظة وهذل على مهزور واتخذوا عليه الأموال وكانوا أول من
~~احتفر بها الآبار واغترس الأموال وابتنوا الآطام والمنازل، قالوا: فجميع ما
~~بنى اليهود بالمدينة تسعة وخمسون أطما3.
# قال عبد العزيز بن عمران: وقد نزل المدينة قبل الأوس والخزرج أحياء من
~~العرب منهم أهل التهمة تفرقوا جانب بلقيز إلى المدينة، فنزلت بين مسجد
~~الفتح إلى يثرب في الوطا، وجعلت الجبل بينها وبين المدينة فأبرت الآبار
~~والمزارع.
# ذكر نزول أحياء من العرب على يهود:
# قالوا: وكان بالمدينة قرى وأسواق من يهود بني إسرائيل وكان قد نزلها
~~عليهم أحياء من العرب فكانوا معهم وابتنوا الآطام والمنازل قبل نزول الأوس
~~والخزرج؛ وهم بنو أنيف حي من بلى ويقال إنهم من بقية العماليق، وبنو مريد
~~حي من بلى وبنو معاوية بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن
~~خصفة بن قيس بن عيلان وبنو الجذماحي من اليمن قالوا: وكانت الآطام عز أهل
~~المدينة ومنعتهم التي يتحصنون فيها PageV02P387
# من عدوهم فكان منها ما يعرف اسمه، ومنها ما لا يعرف اسمه، ومنها ما يعرف
~~باسم سيده، ومنها ما لا يدري لمن كان، ومنها ما ذكر في الشعر، ومنها ما لم
~~يذكر، وكان ما بني من الآطام للعرب بالمدينة ثلاثة عشر أطما.
# ذكر نزول الأوس والخزرج المدينة:
# قالوا: فلم تزل اليهود العالية بها الظاهرة عليها حتى كان من سيل العرم
~~ما كان وما قص الله في كتابه، وذلك أن أهل مأرب وهي أرض سبأ كانوا آمنين في
~~بلادهم تخرج المرأة بمغزلها لا تتزود شيئا تبيت في قرية وتقيل في أخرى حتى
~~تأتي الشام فقالوا: {ربنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] ، فسلط الله عليهم
~~العرم1 وهو جرذ، فنقب عليهم حتى دخل السيل عليهم فأهلكهم وتمزق من سلم منهم
~~في البلاد، وكان السد فرسخا في فرسخ، كان بناه لقمان الأكبر العادي، بناه
~~للدهر على زعمه، وكان يجتمع إليه مياه أهل اليمن من مسيرة شهر، فكان
~~تمزيقهم، ويروى أن طريفة بنت ربيعة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر بن ثعلبة بن
~~امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغفوث قالت2: أتيت في المنام
~~فقيل لي: رب أسير ذاب، شديد الذهاب، بعيد الإياب، من واد إلى واد، وبلاد
~~إلى بلاد، كدأب ثمود وعاد، ثم مكثت ثم قالت: أتيت اليلة فقيل لي: شيخ هرم،
~~وجعل لزم، ورجل قرم، ودهر أزم، وشر لزم، يا ويح أهل العرم، ثم قالت: أتيت
~~الليلة فقيل لي: يا طريفة لكل اجتماع فراق، فلا رجوع ولا تلاق، من أفق إلى
~~آفاق، ثم قالت: أتيت اليلة في النوم فقيل لي: رب ألب موالب، وصامت وخاطب،
~~بعد هلاك مارب، قالت: ثم أتيت في النوم فقيل لي: لكل شيء سبب، إلا غبش ذو
~~الذنب، الأشعر الأزب، فنقب بين المقر والقرب، ليس من كاس ذهب، فخرج عمرو
~~وامرأته طريفة، فيدخلان العرم3 فإذا هما بجرذ يحفر في أصله ويقلب بيديه
~~ورجليه الصخرة ما يقلبها خمسون رجلا، فقال: هذا والله البيان، وكتم أمره
~~وما يريد، وقالا لابن أخيه وداعة بن عمرو: إني سأشتمك في المجلس فالطمني
~~فلطمه، فقال عمرو: والله لا أسكن بلدا لطمت فيه أبدا. من يشتري مني أموالي؟
~~قال: فوثبوا واغتنموا غضبته تزايدوا في ماله فباعه، فلما أراد الظعن قالت
~~طريفة: من كان يريد حمرا وحميرا وبرا وشعيرا وذهبا وحريرا وسديرا فلينزل
~~بطوى، ومن أراد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلج يثرب
~~PageV02P388
# ذات النخل، قال: فلحقت بنو عمرو بن ثعلبة وهم الأوس والخزرج ابنا حارثة
~~بن عمرو بن ثعلبة بن عمرو بن عامر يثرب وهي المدينة، قالوا: وكان ممن بقي
~~بالمدينة من اليهود حين نزلت عليهم الأوس والخزرج بنو قريظة، وبنو النضير،
~~وبنو محمحم، وبنو زعورا، وبنو قينقاع، وبنو ثعلبة وأهل زهرة وأهل زبالة
~~وأهل يثرب، وبنو القصيص، وبنو فاعصة، وبنو ماسكة، وبنو القمعة، وبنو زيد
~~اللات وهم رهط عبد الله، وبنو عكوة، وبنو مرانة، قالوا: فأقامت الأوس
~~والخزرج بالمدينة، ووجدوا الأموال والآطام والنخل في أيدي اليهود، ووجدوا
~~العدد والقوة معهم، فسكنت الأوس والخزرج معهم ما شاء الله ثم إنهم سألوهم
~~أن يعقدوا بينهم وبينهم جوارا وحلفا يأمن به بعضهم من بعض ويمنعون به من
~~سواهم، فتعاقدوا وتحالفوا واشتركوا وتعاملوا فلم يزالوا على ذلك زمنا طويلا
~~وأثرت الأوس والخزرج، وصار لهم مال وعدد، فلما رأت قريظة والنظير حالهم
~~خافوهم أن يغلبوهم على دورهم وأموالهم فتنمروا لهم حتى قطعوا الحلف الذي
~~كان بينهم، وكانت قريظة والنضير أعدوا وأكثروا، فأقامت الأوس والخزرج في
~~منازلهم وهم خائفون أن تحتلهم يهود حتى نجم منهم مالك بن العجلان أخو بني
~~سالم بن عوف بن الخزرج.
# ذكر قتل يهود واستيلاء الأوس والخزرج على المدينة:
# قالوا: ولما نجم مالك بن العجلان سوده الحيان عليهما، فبعث هو قومه إلى
~~من وقع بالشام من قومهم يخبرونهم حالهم ويشكون إليهم غلبة اليهود عليهم،
~~وكان رسولهم الدمق بن زيد بن امرئ القيس أحد بني سالم بن عوف بن الخزرج
~~وكان قبيحا دميما شاعرا بليغا، فمضى حتى قدم الشام على ملك من ملوك غسان
~~الذين ساروا من يثرب إلى الشام يقال له أبو جبيلة من ولد حفنة بن عمرو بن
~~عامر، وقيل كان أحد بني جشم بن الخزرج وكان قد أصاب ملكا بالشام وشرفا،
~~فشكى إليه الدمق حالهم وغلبة اليهود عليهم وما يتخرفون منهم وأنهم يخشون أن
~~يخرجوهم، فأقبل أو جبيلة في جمع كبير لنصرة الأوس والخزرج، وعاهد الله لا
~~يبرح حتى يخرج من بها من اليهود أو يذلهم ويصيرهم تحت يد الأوس والخزرج،
~~وأعلمهم ما جاء به فقالوا: إن علم القوم ما تريد تحصنوا في آطامهم فلم نقدر
~~عليهم ولكن تدعوهم للقائك وتتلطف بهم حتى يأمنوك ويطمئنوا، فتتمكن منهم
~~فصنع لهم طعاما وأرسل إلى وجوههم1 ورؤسائهم فلم يبق من وجوههم أحد إلا أتاه
~~وجعل الرجل منهم يأتي بخاصته وحشمه رجاء أن يحبوهم الملك، وقد كان بنى لهم
~~حيزا وجعل فيه قوما وأمرهم من دخل عليهم منهم أن يقتلوه حتى أتى على وجوههم
~~ورؤسائهم فلما فعل ذلك عزت الأوس والخزرج في المدينة واتخذوا الديار
~~والأموال PageV02P389
# وانصرف أبو جبيلة إلى الشام وتفرقت الأوس والخزرج في عالية المدينة
~~وسافلتها، وبعضهم جاء إلى عفا من الأرض لا ساكن فيه فنزله، ومنهم من لجأ
~~إلى قرية من قراها، واتخذوا الأموال والآطام فكان ما ابتنوا من الآطام مائة
~~وسبعة وعشرين أطما وأقاموا كلمتهم، وأمرهم مجتمع ثم دخلت بينهم حروب عظام
~~وكانت لهم أيام ومواطن وأشعار فلم تزل الحروب بينهم إلى أن بعث الله نبيه
~~-صلى الله عليه وسلم- وأكرمهم باتباعه1. PageV02P390
### | الباب الثاني: في ذكر فتح المدينة
# قالت عائشة رضي الله عنها: كل البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت المدينة
~~بالقرآن، قلت: وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعرض نفسه في كل
~~موسم على قبائل العرب ويقول: "ألا رجل يحملني إلى قومه؛ فإن قريشا قد
~~منعوني أن أبلغ كلام ربي" حتى لقي في بعض السنين عند العقبة نفرا من الأوس
~~والخزرج قدموا في المنافرة التي كانت بينهم، فقال لهم: "من أنتم؟ " قالوا:
~~نفر من الأوس والخزرج، قال: "من موالي اليهود؟ " قالوا: نعم، قال: "أفلا
~~تجلسون أكلمكم؟ " قالوا: بلى"، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض
~~عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، وكانوا أهل شرك وأوثان، وكان إذا كان
~~بينهم وبين اليهود الذين معهم بالمدينة شيء، قالت اليهود لهم وكانوا أصحاب
~~كتاب: قد علمنا أن نبينا يبعث الآن قد أظل زمانه فنتبعه ونقتلكم قتل عاد
~~وإرم، فلما كلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولئك النفر ودعاهم إلى
~~الله قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي يوعدكم به اليهود
~~فلا تسبقنكم إليه فاغتنموه وآمنوا به، فأجابوه فيما دعاهم إليه وصدقوه،
~~وقبلوا منه ما عرض عليهم، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا وبينهم من العداوة
~~والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك
~~ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل
~~أعز منك، ثم انصرفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجعين إلى بلادهم
~~قد آمنوا وصدقوا، وكانوا ستة: أسعد بن زرارة، وعوف ابن عفراء -وهي أمه،
~~وأبوه الحارث بن رفاعة، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة،
~~وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رباب، فلما قدموا المدينة إلى
~~قومهم ذكروا لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما جرى لهم ودعوهم إلى
~~الإسلام ففشا فيهم حتى لم يبق بيت ولا دار من دور الأنصار إلا ولرسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- فيها ذكر، فلما كان العام المقبل وافى منهم اثني عشر
~~رجلا فلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعقبة وهي العقبة الأولى
~~فبايعوه، فلما انصرفوا بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم مصعب بن
~~عمر إلى المدينة وأمره أن يقرئهم القرآن
# PageV02P390
# ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين وكان منزله على أسعد بن زرارة، ولقيه
~~في الموسم الآخر سبعون رجلا من الأنصار ومعهم امرأتان فبايعوه وأرسل رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلى المدينة ثم خرج إلى الغار بعد ذلك
~~وتوجه هو وأبو بكر إلى المدينة.
# PageV02P391
### | الباب الثالث: في ذكر هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه
# أخبرنا يحيى بن أسعد المهاجر وأبو القاسم بن كامل الحذاء وجماعة غيرهما
~~فيما أذنوا لي في روايته عنهم قالوا: أنبأنا الحسن بن أحمد أبو علي الحداد
~~عن أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني قال: كتب إلى جعفر بن محمد بن نصير
~~أبو محمد المخلدي قال: أنبأنا أبو شريك محمد بن عبد الرحمن المخزومي بمكة
~~قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة عن جعفر بن
~~صالح بن ثعلبة عن جده، ويعلى بن سلام عن محمد بن عبد الله بن خزيمة بن ثابت
~~أن تبعا لما قدم المدينة وأراد إخراجها جاءه حبران يقال لهما تحيت ومنبه من
~~قريظة فقالا: أيها الملك، انصرف عن هذه البلدة؛ فإنها محفوظة، وإنها مهاجر
~~نبي من بني إسماعيل اسمه أحمد يخرج آخر الزمان، فأعجبه ما سمع وصدقهما وكف
~~عن أهل المدينة.
# وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
~~أنه قال1: "رأيت في المنام أني مهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهمي
~~إلى اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب". وذكر البخاري في صحيحه أن النبي
~~-صلى الله عليه وسلم- لما ذكر هذا المنام لأصحابه هاجر من هاجر منهم قبل
~~المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر
~~قبل المدينة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "على رسلك 2؛ فإني
~~أرجو أن يؤذن لي"، فقال له أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم،
~~فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليصحبه، وعلف راحلتين
~~كانتا عنده الخبط أربعة أشهر قالت عائشة رضي الله عنها: بينما نحن يوما
~~جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة3 قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، قال أبو بكر: فدا
~~له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- فاستأذن فأذن له، فدخل فقال النبي -صلى الله عليه
~~وسلم- لأبي بكر: "اخرج من عندك"، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا
~~رسول الله، قال: "فإني قد أذن لي في الخروج"، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي
~~أنت وأمي يا رسول الله؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "نعم"، قال أبو
~~بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله PageV02P391
# خذ إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "بالثمن"،
~~قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز1، ووضعنا لهما سفرة2 في جراب، فقطعت
~~أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فقال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "إن لها به نطاقين في الجنة"، فبذلك سميت ذات
~~النطاقين ، قالت: ثم لحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغار في جبل ثور
~~فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهم عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب، فيدلج3
~~من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه
~~حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى
~~أبي بكر منحة4 من لبن فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبتان في
~~رسل5 حتى ينعق بها عامر بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث،
~~واستأجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلا من بني الدئل هدايا
~~ماهرا بالهداية وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعاه إليه راحلتهما،
~~وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن
~~فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل أسفل من عسفان ثم عارض الطريق على
~~امج ثم لقي الطريق بناحية فنزل في خيام أم معبد بنت الأشقر الخزاعية بأسفل
~~ثنية لفت ثم على الحرار ثم على ثنية المرة ثم استبطن مديحة ثم محاح ثم بطن
~~مرج محاح ثم مرج ذي القصوى ثم بطن كشد ثم الأجرد ثم ذا سلم ثم اعدا مديحه
~~بعهن ثم أجاز القاحة ثم هبط العرج ثنية العامر عن يمين ركوبة ويقال بل
~~ركوبة نفسها ثم بطن ديم حتى انتهى إلى بني عمرو بن عوف بظاهر قباء، فنزل
~~عليهم على كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث وكان سيد الحي، وقد
~~اختلف في اليوم الذي نزل فيه، وعن نجيح بن أفلح مولى بني ضمرة، قال: سمعت
~~بريدة بن الحصيب يخبر أنه بعث يسارا غلامه مع النبي -صلى الله عليه وسلم-
~~وأبي بكر من الحدوات، قال: وهي موضع أسفل من ثنية هرشا، يدلهما على
~~العابرين ركوبة، قال يسار: فخرجت حتى صعدت الثنية ورجزت به فقلت:
# هذا أبو القاسم فاستقيمي ... تعرضي مدارجا وسومي
# تعرض الجوزاء للنجوم
# قال: فلما علوا ظهر الظهيرة حضرت الصلاة، فاستقبل رسول الله -صلى الله
~~عليه وسلم- القبلة، فقام أبو بكر عن يمينه وقمت عن يمين أبي بكر ودخلني
~~الإسلام، فدفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدر أبي بكر فأخره وأخرني
~~أبو بكر، فصففنا خلفه فصلينا ثم خرجنا حتى قدمنا المدينة بكرة وكان يوم
~~الاثنين، ولقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزبير في ركب من المسلمين
~~كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
~~وأبا بكر ثياب بياض وسمع المسلمون بالمدينة PageV02P392
# بخروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى
~~الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد أن طال انتظارهم
~~فلما أووا إلى بيوتهم رقى رجل من اليهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إليه،
~~فبصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مبيضين1 فلم يملك اليهودي أن
~~قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم2 الذي تنتظرونه، فثار المسلمون إلى
~~السلاح، فتلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بظهر الحرة، فعدل بهم ذات
~~اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع
~~الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صامتا،
~~فطفق من جاء من الأنصار ممن آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحيي أبا
~~بكر حتى أصابت الشمس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل أبو بكر حتى ظلل
~~عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك، ولما
~~أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان مردفا لأبي بكر وأبو بكر
~~شيخ يعرف ونبي الله شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: أيا با
~~بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك، فيقول: هذا الرجل الذي يهديني السبيل
~~فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير، ولبث رسول الله -صلى
~~الله عليه وسلم- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس
~~على التقوى وصلى فيه، ثم ركب راحلته فصار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من
~~المسلمين، وكان مربدا3 للتمر لسهيل وسهل؛ غلامين يتيمين في حجر أسعد بن
~~زرارة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بركت به راحلته: "هذه إن
~~شاء الله المنزل"، ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالغلامين
~~فساومهما بالمربد؛ ليتخذه مسجدا فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه
~~مسجدا.
# وعن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة قال: لما نزل رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- على كلثوم بن الهرم وصاح كلثوم بغلام له يا نجيح، فقال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "أنجحت يا أبا بكر"، وعن ابن عباس أقام رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- بقباء يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم
~~الخميس وركب من قباء يوم الجمعة، فجمع في بني سالم فكانت أول جمعة جمعها في
~~الإسلام، وكان يمر بدور الأنصار دارا دارا فيدعونه إلى المنزل والمواساة،
~~فيقول لهم خيرا ويقول: "خلوها؛ فإنها مأمورة" حتى انتهى إلى موضع مسجده
~~اليوم، وكان المسلمون قد بنوا مسجدا يصلون فيه، فبركت ناقته ونزل، وجاء أبو
~~أيوب الأنصاري فأخذ رحله وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته فلما خرج
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد تعلقت به الأنصار فقال: "المرء
~~مع رحله"، فنزل على أبي أيوب الأنصاري خالد بن يزيد بن كليب ومنزله في بني
~~غنم بن النجار. PageV02P393
# وعن أبي عمرو بن حجاش قال: اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنازل
~~فنزل في منزله ومسجده، فأراد أن يتوسط الأنصار كلها فأحدقت به الأنصار.
# وقال البراء بن عازب: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم كلثوم وكانا
~~يقرئان الناس، ثم قدم عمار بن ياسر وبلال ثم قدم عمر بن الخطاب ثم قدم رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جعل الإماء يقولون: قدم رسول الله -صلى الله
~~عليه وسلم- فينا، قدم، قالت عائشة رضي الله عنها: لما قدم رسول الله -صلى
~~الله عليه وسلم- بالمدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا
~~أبت كيف نجدك ويا بلال كيف نجدك؟ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
# وكل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
# قالت: وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته فيقول:
# ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
# وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
# قالت عائشة: فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: اللهم
~~حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها،
~~وانقل حماها، واجعلها بالجحفة. قال أهل السير: وأقام علي بن أبي طالب رضي
~~الله عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله -صلى
~~الله عليه وسلم- فنزل معه على كلثوم بن الهرم، قالوا: ولم يبق بمكة من
~~المهاجرين إلا من حبسه أهله أو فتنوه.
# أنبأنا أبو القاسم الزاندواذي عن أبي علي المقري عن أبي نعيم الحافظ عن
~~جعفر الخواص قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قول
~~الله عز وجل: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك
~~سلطانا نصيرا} [الإسراء: 80] ، قال: جعل الله مدخل صدق المدينة ومخرج صدق
~~مكة وسلطانا نصيرا الأنصار.
# PageV02P394
### | الباب الرابع: في ذكر فضائلها وما جاء في ترابها
# أخبرنا عبد الرحمن بن علي الحافظ في كتابه قال: حدثنا معمر بن عبد الواحد
~~إملاء قال: أنبأنا شكر بن أحمد أنبأنا أبو سعيد الرازي الحافظ في كتابه
~~قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو غزية
~~حدثنا عبد العزيز بن عمران عن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن ثابت بن قيس
~~بن شماس عن أبيه قال:
# PageV02P394
# قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "غبار المدينة شفاء من الجذام" 1،
~~أخبرتنا عفيفة الفارقانية في كتابها عن أبي نعيم الحافظ عن أبي محمد الخواص
~~قال: أخبرنا أبو يزيد المخزومي حدثنا الزبير بن بكار حدثنا محمد بن الحسن
~~عن محمد بن فضالة عن إبراهيم بن الجهنم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
~~أتى بني الحارث فرآهم روبا، فقال: "ما لكم يا بني الحارث روبا؟ " قالوا:
~~نعم يا رسول الله أصابتنا هذه الحمى، قال: "فأين أنتم من صعيب؟ " قالوا: يا
~~رسول الله ما نصنع به؟ قال: "تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ثم يتفل عليه
~~أحدكم ويقول: باسم الله تراب أرضنا بريق بعضنا شفاء لمرضنا بإذن ربنا"،
~~ففعلوا، فتركتهم الحمى2.
# قال أبو القاسم ظاهر بن يحيى العلوي: "صعيب" وادي بطحان دون الماجشونية
~~وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه، وهو اليوم إذا ربا إنسان أخذ منه، قلت:
~~ورأيت هذه الحفرة اليوم والناس يأخذون منها، وذكروا أنهم جربوه فوجدوه
~~صحيحا وأخذت أنا منه أيضا.
# وحدثنا ابن زبالة عن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة: أن رجلا أتي به رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم- وبرجله قرحة، فرفع رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- طرف الحصير ثم وضع أصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعد ما مسها
~~بريقه فقال: "باسم الله ريق بعضنا بتربة أرضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا"، ثم
~~وضع أصبعه على القرحة فكأنما حل من عقال2.
# ما جاء في ثمرها:
# روى مسلم في الصحيح حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
~~قال: "من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره شيء حتى يمسي" 3،
~~وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث سعيد أيضا عن النبي -صلى الله عليه
~~وسلم- أنه قال: "من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم
~~ولا سحر " 4.
# ما جاء في انقباض الإيمان إليها:
# روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم
~~أنه قال5: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها"، قلت:
~~أي ينقبض إليها. PageV02P395
# ما جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لها بالبركة:
# أنبأنا محمد بن علي الحافظ في كتابه قال: أنبأنا يحيى بن علي القرشي
~~أنبأنا حيدرة بن علي الأنطاكي أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر أنبأنا أحمد بن
~~سليمان بن أيوب حدثنا عبد الرحمن بن عمرو حدثنا عبيد بن حسان حدثنا الليث
~~بن سعد حدثني سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي عن عاصم بن عمرو عن
~~علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص، فقال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بوضوء" فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر
~~ثم قال: "اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا
~~محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثل ما
~~باركت لأهل مكة مع البركة بركتين" 1.
# أنبأنا عبد الرحمن بن علي الفقيه قال: أخبرنا علي بن محمد قال: أخبرنا
~~أحمد بن محمد بن عزيز حدثني سلامة عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن
~~مالك أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم اجعل بالمدينة
~~ضعفي ما جعلت بمكة من البركة"، أخرجاه في الصحيحين2.
# وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: كان الناس إذا رأوا التمر
~~جاءوا به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا أخذه قال: "اللهم بارك
~~لنا في تمرنا وبارك لنا في مديتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا،
~~اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنه دعاك لأهل مكة، وإني أدعوك
~~للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه" 3 قال: ثم يدعو أصغر وليد فيعطيه ذلك
~~التمر.
# ما جاء في الصبر على لأوائها وشدتها:
# روى مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي -صلى
~~الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له
~~شهيدا أو شفيعا يوم القيامة" 4.
# أنبأنا أبو محمد الشافعي قال: أخبرنا محمد بن الخليل بن فارس حدثنا أبو
~~القاسم بن أبي العلاء أنبأنا محمد بن عبد الله الدوري حدثنا محمد بن موسى
~~بن إبراهيم بن فضال حدثنا أبو بكر محمد بن ريان بن حبيب أخبرنا محمد بن
~~رمح، أنبأنا PageV02P396
# الليث عن سعيد المقبري بن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري
~~ليالي الحرة واستشاره في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله،
~~وأخبره أنه لا صبر له على جهد المدينة فقال: ويحك لا آمرك بذلك؛ لأني سمعت
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يصبر أحد على جهد المدينة
~~ولأوائها 1 فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما" 2.
# ما جاء في ذم من رغب عنها:
# خرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه
~~قال: "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل لابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء
~~والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج أحد رغبة عنها
~~إلا خلف فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبيث، لا تقوم الساعة
~~حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" 3.
# ما جاء في ذم من أخاف المدينة وأهلها:
# أنبأنا أبو الفرج بن علي قال: أنبأنا عبد الوهاب الحافظ أنبأنا أبو الحسن
~~العاصمي حدثنا أبو عمر مهدي حدثنا عثمان بن أحمد السماك حدثنا أحمد بن
~~الخليل والحسن بن موسى قالا: حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن دينار حدثنا
~~سالم بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه
~~يقول: اشتد الجهد بالمدينة وغلا السعر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:
~~"اصبروا يا أهل المدينة وأبشروا؛ فإني قد باركت على صاعكم ومدكم، كلوا
~~جميعا ولا تفرقوا؛ فإن طعام الرجل يكفي الاثنين، فمن صبر على لأوائها
~~وشدتها كنت له شفيعا وكنت له شهيدا يوم القيامة، ومن خرج عنها رغبة عما
~~فيها أبدل الله عز وجل فيها من هو خير منه، ومن بغاها أو كادها بسوء أذابه
~~الله تعالى كما يذوب الملح في الماء" 2.
# أنبأنا أبو طاهر لاحق بن الصوفي أنبأنا أبو القاسم الكاتب أنبأنا أبو علي
~~بن المذهب أنبأنا أبو بكر القطيعي أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني
~~أبي حدثنا أنس بن عياض حدثني يزيد بن حصيفة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن
~~أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد أن رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- قال: "من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله
~~والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا" 4.
~~PageV02P397
# أنبأنا أبو محمد الشافعي عن أبي محمد بن طاوس حدثنا سليمان بن إبراهيم
~~حدثنا أبو عبد الله حدثنا حامد بن محمود حدثنا محمد مكي بن إبراهيم حدثنا
~~هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد
~~الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أخاف أهل المدينة فعليه
~~لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ومن
~~أخاف أهلها فقد أخاف ما بين هذين" ووضع يديه على جنبيه تحت ثدييه1.
# وخرج البخاري في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي -صلى الله عليه
~~وسلم- أنه قال: "لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في
~~الماء" 2.
# أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الحسن في كتابه قال: أنبأنا أبو البركات ابن
~~المبارك أنبأنا عاصم بن الحسن أنبأنا عبد الواحد بن محمد حدثنا السماك
~~حدثنا إسحاق بن يعقوب حدثنا محمد بن عبادة حدثنا أبو ضمرة عن عبد السلام بن
~~أبي الجنوب عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "المدينة مهاجري، فيها مضجعي، وفيها مبعثي، حقيق على
~~أمتي حفظ جيراني ما اجتنبوا الكبائر، من حفظهم كنت له شهيدا أو شفيعا يوم
~~القيامة، ومن لم يحفظهم سقي من طينة الخبال"، قيل للمزني: ما طينة الخبال؟
~~قال: عصارة أهل النار.
# ما جاء في منع الطاعون والدجال من دخولها 3:
# وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
~~"على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال" 4.
# وفيهما من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس من بلد
~~إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة
~~صافين يحرسونها، فينزل السبخة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل
~~كافر ومنافق".
# وأخرج البخاري في من حديث أبي بكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
~~"لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب في كل باب ملك".
~~PageV02P398
# ذكر ما يؤول إليه أمرها:
# أنبأنا القاسم بن علي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الحسن أنبأنا سهل بن
~~بشر بن محمد بن الحسن بن أبي طاهر حدثنا جعفر بن محمد الغيرياني، حدثنا
~~هشام بن عمار أنبأنا يحيى بن حمزة الزبيدي حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب
~~عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لتتركن
~~المدينة على خير ما كانت مدلاة ثمارها لا يغشاها إلا العوافي -يريد عوافي
~~السباع والطير- وآخر من يحشر منها راعيان من مزينة يردان المدينة ينعقان
~~بغنمهما فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوهما" 1. أخرجه
~~البخاري في صحيحه.
# تضعيف الأعمال بها:
# أخبرنا عبد العزيز بن محمود الأخصر قال: أخبرنا عبد الأول بن عيسى بن
~~شعيب الشجري قال: أخبرنا محمد بن عبد العزيز الفارسي، أخبرنا عبد الرحمن بن
~~أبي شريح، حدثنا ابن صاعد، حدثنا هارون بن موسى، حدثنا عمر بن أبي بكر
~~الموصلي عن القاسم بن عبد الله عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن نافع
~~عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجمعة بالمدينة
~~كألف صلاة فيما سواها" 2.
# وبالإسناد عن ابن عمر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "صيام شهر
~~رمضان في المدينة كصيام ألف شهر فيما سواها" 3.
# فضيلة الموت بها:
# أنبأنا عبد الرحمن بن علي قال: أنبأنا يحيى بن علي بن الطماح، أنبأنا
~~محمد بن أحمد العدل، حدثنا محمد بن عبد الله الدقاق، حدثنا الصلت بن مسعود،
~~حدثنا سفيان بن موسى، حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت؛ فإن من مات
~~بالمدينة شفعت له يوم القيامة" 4. PageV02P399
### | الباب الخامس: في ذكر تحريم النبي للمدينة وحدود حرمها
# في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم عن النبي -صلى الله عليه
~~وسلم- أنه قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما
~~حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة"
~~1.
# وذكر أبو داود السجستاني في السنن من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه
~~عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن
~~أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل
~~الله منه صرفا ولا عدلا، لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها
~~إلا لمن أنشدها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ولا يصلح أن تقطع
~~منها شجرة إلا أن يعلف 2 رجل بعيره".
# وفي الصحيحين عن علي أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
~~"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها أو آوى محدثا فعليه لعنة
~~الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا"
~~3.
# قال أبو عبيد القاسم بن سلام: عير وثور جبلان وأهل المدينة لا يعرفون بها
~~جبلا يقال له ثور إنما ثور بمكة. فترى أن الحديث أصله ما بين عير إلى أحد.
# قلت: بل يعرف أهل المدينة جبل ثور وهو جبل صغير وراء أحد ولا ينكرونه.
~~وفي السنن لأبي داود من حديث عدي بن زيد قال: حمى رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- كل ناحية من المدينة بريدا بريدا لا يخبط شجرها ولا يعضد إلا ما يساق
~~به الجمل. وفيها أن سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا تصيد في حرم المدينة الذي حرم
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلبه ثيابه، فجاءوا إليه فكلموه فيه فقال:
~~"إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم هذا الحرم، وقال: "من أخذ الصيد
~~فيه فليسلبه ثيابه" فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه.
# وفيها عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا يخبط شجرها ولا يعضد ولكن يهش هشا
~~رفيقا.
# أخبرنا يحيى بن أبي الفضل الفقيه، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا علي
~~بن الحسن الشافعي؛ أخبرنا شعيب بن عبد الله، حدثنا أحمد بن الحسن الرازي،
~~حدثنا أبو الزنباع، حدثنا عمر بن خالد، حدثنا بكر بن مضر عن أبي الهاد عن
~~أبي بكر بن محمد PageV02P400
# عن عبد الله بن عمرو عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- يقول؛ وذكر مكة، فقال: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين
~~لابتيها -يريد المدينة"، وفي صحيح البخاري في حديث الهجرة أن النبي -صلى
~~الله عليه وسلم- قال للمسلمين: "إني رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين
~~وهما الحرتان".
# أنبأنا القاسم بن علي، قال: أنبأنا محمد بن إبراهيم، أنبأنا سهل بن بشر،
~~أنبأنا علي بن منير، أنبأنا الذهلي، أنبأنا موسى بن هارون، حدثنا إبراهيم
~~بن المنذر، حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، حدثني أبو بكر بن النعمان بن عبد
~~الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده عن كعب بن مالك قال: حرم رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- الشجر بالمدينة بريدا في بريد، وأرسلني، فأعلمت على
~~الحرم على شرف ذات الجيش وعلى مشيرف وعلى أشراف المجتهر وعلى يتم1.
# قلت: واختلف العلماء في صيد حرم المدينة وشجره فقال مالك والشافعي وأحمد:
~~إنه محرم. وقال أبو حنيفة: ليس بمحرم واختلفت الرواية عن أحمد هل يضمن
~~صيدها وشجرها بالجزاء؛ فروي عنه أنه لا جزاء فيه وبه قال مالك، وروي أنه
~~يضمن وللشافعي قولان كالروايتين، وإذا قلنا بضمانه فجزاؤه سلب القاتل
~~بتملكه الذي يسلبه، ومن أدخل إليها صيدا لم يجب عليه رفع يديه عنه ويجوز له
~~ذبحه وأكله، ويجوز أن يؤخذ من شجرها ما تدعو الحاجة إليه للرحل والوسائد
~~ومن حشيشها ما يحتاج إليه للعلف بخلاف مكة. PageV02P401
### | الباب السادس: في ذكر وادي العقيق وفضله
# روى البخاري في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت
~~النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أتاني 1 الليلة آت من ربي عز وجل فقال:
~~صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة".
# وكان عبد الله بن عمر ينيخ بالوادي يتحرى معرس رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- ويقول: هو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين الطريق وسط من
~~ذلك.
# أنبأنا يحيى بن أسعد الخباز قال: كتب إلى أبي علي المقري، عن أحمد بن عبد
~~الله الأصفهاني قال: أنبأنا جعفر بن محمد الزاهد إجازة قال: أنبأنا أبو
~~يزيد PageV02P401
# المخزومي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا محمد بن الحسن عن عمر بن عثمان بن
~~عمر، حدثنا موسى عن أيوب بن سلمة، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: ركب
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى العقيق ثم رجع فقال: "يا عائشة، جئنا
~~من هذا العقيق فما ألين موطئه وأعذب ماءه"، قالت: يا رسول الله، أفلا ننقل
~~إليه؟ فقال: "كيف وقد ابتنى الناس؟ "
# قالت: ووجد على قبر آدمي عند حمى أم خالد بالعقيق1 حجر مكتوب: "أنا عبد
~~الله رسول الله سليمان بن داود إلى أهل يثرب"، ووجد حجر آخر على قبر آدمي
~~أيضا عليه مكتوب: "أنا أسود بن سوادة رسول رسول الله عيسى ابن مريم إلى أهل
~~هذه القرية"، قلت: وابتنى بعض الصحابة بالعقيق ونزلوه، وكذلك جماعة من
~~التابعين ومن بعدهم، وكانت فيه القصور المشيدة والآبار2 العذبة.
# ولأهلها أخبار مستحسنة في الكتاب وأشعار رائقة، ولما بنى عروة بن الزبير
~~قصره بالعقيق ونزله قيل له: جفوت عن مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم؛
~~فقال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية،
~~فكان بعدي مما هنالك عافية.
# قال أهل السير: كانت بنو أمية تجري في الديوان رزقا على من يقوم على حوض
~~مروان بن الحكم بالعقيق في مصلحته وفيما يصلح بئر المغيرة من علقها
~~ودلائها. قالوا: ومر هشام بن عبد الملك3 وهو يريد المدينة بجرر هشام بن
~~إسماعيل بالرابغ، فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه جرر جدك هشام، فأمر
~~بإصلاحها وما يقيمها من بيت المال فكانت توضع هناك جرار أربع يسقى منهن
~~الناس.
# قالوا: وولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العقيق لرجل اسمه هيضم
~~المزني، ولم تزل الولاة على المدينة يولون واليا من عهد النبي -صلى الله
~~عليه وسلم- حتى كان زمان داود بن عيسى4 فتركه في سنة ثمان وتسعين ومائة.
# قالوا: ومات سعيد بن زيد بن أبي وقاص وهما من العشرة بالعقيق، وحملا إلى
~~المدينة فدفنا بها، قلت: ووادي العقيق اليوم ليس به ساكن وفيه بقايا بنيان
~~خراب وآثار تجد النفس برؤيتها أنسا كما قال أبو تمام:
# ولا الخدود وإن أدمين من خجل ... أشهى إلى ناظري من خدها الترب
# ما ربع مية معمورا يطيف به ... غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب5
~~PageV02P402
### | الباب السابع: في ذكر آبار المدينة وفضلها
# اعلم أنه قد نقل أهل السير أسماء آبار بالمدينة شرب منها النبي -صلى الله
~~عليه وسلم- وبصق فيها إلا أن أكثرها لا يعرف اليوم فلا حاجة في ذكرها، ونحن
~~نذكر الآبار التي هي اليوم موجودة معروفة على ما يذكر أهل المدينة والعهدة
~~عليهم في ذلك، ونذكر ما جاء في فضلها.
# فأول ذلك بئر حا 1:
# روى البخاري في الصحيح من حديث أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصار
~~المدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بئر حا، وكانت مستقبلة المسجد،
~~وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب، قال
~~أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل
~~عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول
~~الله إن الله عز وجل يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} ، وإن
~~أحب أموالي إلي بئر حا وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا
~~رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ
~~ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقال أبو
~~طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
# قلت: وهذه البئر اليوم وسط حديثة صغيرة جدا وعندها نخلات ويزرع حولها،
~~وعندها بيت مبني على علو من الأرض وهي قريبة من سور المدينة وهي ملك لبعض
~~أهل المدينة وماؤها عذب حلو، وذرعتها فكان طولها عشرة أذرع ونصف ماء،
~~والباقي بنيان، وعرضها ثلاثة أذرع وشبر، وهي مقابلة المسجد كما ذكرت في
~~الحديث.
# ثم بئر أريس:
# روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج
~~فقال: لألزمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأكونن معه يومي هذا، قال:
~~فجاء المسجد فسأل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: خرج وجه ههنا،
~~فخرجت على أثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس2، قال: فجلست عند الباب وبابها
~~من جريد حتى قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجته وتوضأ، فقمت إليه
~~فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها3 وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر،
~~PageV02P403
# قال: فسلمت عليه، ثم انصرفت، فجلست عند الباب ، فقلت: لأكونن بواب رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم- اليوم، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فدفع
~~الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر
~~يستأذن، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة"، قال: فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل
~~ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشرك بالجنة، قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن
~~يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما
~~صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد
~~تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا -يريد أخاه- يأت به
~~فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك
~~ثم جئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه وقلت: هذا عمر بن
~~الخطاب يستأذن، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة" فجئت عمر فقلت: ادخل ويبشرك
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، قال: فدخل فجلس مع رسول الله -صلى
~~الله عليه وسلم في القف ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا -يعني
~~أخاه- يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان
~~فقلت: على رسلك قال: وجئت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: "ائذن
~~له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه"، قال: فجئت وقلت: ادخل ويبشرك رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- بالجنة مع بلوى تصيبك، قال: فدخل فوجد القف قد ملئ
~~فجلس وجاههم من الشق الآخر.
# وقد أخرج البخاري في صحيحه هذا الحديث فزاد فيه ألفاظا ونقص، وقال: فدخل
~~عثمان فلم يجد معهم مجلسا، فتحول حتى جاء مقابلهم عن شقة البئر فكشف عن
~~ساقيه ثم دلاهما في البئر؛ وقال البخاري: قال سعيد بن المسيب: فتأولت ذلك
~~قبورهم اجتمعت ههنا وانفرد عثمان.
# وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتما من ورق، أي فضة ، وكان في يده ثم كان في يد
~~أبي بكر ثم كان بعد في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس.
# وروى البخاري في الصحيح من حديث أنس قال: كان خاتم النبي -صلى الله عليه
~~وسلم- في يده وفي يد أبي بكر وبعده وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان
~~جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة
~~أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده.
# قلت: وهذه البئر مقابلة مسجد قباء وعندها مزارع ويستقى منها، وماؤها عذب،
~~وذرعتها فكان طولها أربعة عشر ذراعا وشبرا، منها ذراعان ونصف ماء، وعرضها
~~خمسة أذرع وطول قفها الذي جلس عليه النبي -صلى الله عليه وسلم، وصاحباه
~~ثلاثة أذرع تشف كفا، والبئر تحت أطم عال خراب من حجارة.
# PageV02P404
# ثم بئر بضاعة:
# روى أبو داود في السنن من حديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله -صلى
~~الله عليه وسلم- وهو يقال له: إنه يسقى لك من بئر بضاعة1 وهي بئر يلقى فيها
~~لحوم الكلاب والمحايض وعذر الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن
~~الماء طهور لا ينجسه شيء" 2.
# أنبأنا أبو القاسم الصموت عن الحسن بن أحمد بن عبد الله عن جعفر بن محمد،
~~قال: أنبأنا أبو يزيد المخزومي حدثنا الزبير بن بكار حدثنا محمد بن الحسن
~~عن حاتم بن إسماعيل عن محمد بن أبي يحيى عن أمه قالت: دخلنا على سهل بن سعد
~~في نسوة فقال: لو أني سقيتكن من بئر بضاعة لكرهتن ذلك، وقد -والله- سقيت
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي منها.
# وحدثنا محمد بن الحسن عن عبد المهمين بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده أن
~~رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصق في بئر بضاعة، وحدثنا محمد بن الحسن عن
~~إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن مالك بن حمزة بن أبي السيد عن أبيه عن جده
~~أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لبئر بضاعة، قال أبو داود السجستاني في
~~السنن: سمعت -والله- قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها
~~فقلت: أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال: إلى العانة، قلت: فإذا نقص قال: دون
~~العورة، قال أبو داود: قدرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا
~~عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح باب البستان فأدخلني إليه: هل غير بناؤه
~~عما كان عليه؟ فقال: لا، ورأيت فيها ماء متغير اللون. قلت: وهذه البئر
~~اليوم في بستان وماؤها عذب طيب ولونه صاف أبيض، وريحه كذلك ويستقي منها
~~كثيرا، وذرعتها فكان طولها أحد عشر ذراعا وشبرا، منها: ذراعان راجحة ماء
~~والباقي بناء وعرضها ستة أذرع كما ذكر أبو داود في السنن.
# ثم بئر غرس:
# أخبرنا يحيى بن أسعد بخطه قال: أنبأنا أبو علي الحداد عن أبي نعيم
~~الأصبهاني قال: كتب إلى أبي محمد الخواص أن محمد بن عبد الرحمن أخبره قال:
~~أخبرنا الزبير بن بكار حدثنا محمد بن الحسن عن عبد العزيز بن محمد عن سعيد
~~بن عبد الرحمن بن قيس، قال: جاءنا أنس بن مالك بقباء فقال: أين بئركم هذه؟
~~يعني بئر غرس3 فدللناه PageV02P405
# عليها قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءها بسحر، فدعا بدلو من
~~مائه فتوضأ منه ثم سكبه فيها فما نزفت بعد.
# وحدثنا محمد بن الحسن عن القاسم بن محمد عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع
~~قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة أني أصبحت على بئر
~~من الجنة"، فأصبح على بئر غرس، فتوضأ منها، وبصق فيها، وغسل منها حين توفي
~~صلى الله عليه وسلم".
# وحدثنا محمد بن الحسن عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:
~~غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بئر يقال لها غرس، وكان يشرب منها.
# قلت: وهذه البئر بينهما وبين مسجد قباء نحو نصف ميل، وهي في وسط الشجر
~~وقد خربها السيل وطمها، وفيها ماء أخضر إلا أنه عذب طيب وريحه الغالب عليه
~~الأجون1، وذرعتها فكان طولها سبعة أذرع شافة، منها ذراعان ماء، وعرضها عشرة
~~أذرع.
# ثم بئر البصة:
# أنبأنا ذاكر الحذاء عن الحسن بن أحمد الأصبهاني عن أحمد بن عبد الله
~~الحافظ عن جعفر بن محمد قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن حدثنا الزبير بن
~~بكار حدثنا محمد بن الحسن عن محمد بن موسى عن سعيد بن أبي زيد عن ابن عبد
~~الرحمن أن أبا سعيد الخدري قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي
~~الشهداء وأبناءهم ويتعاهد عيالهم، قال: فجاء يوما أبا سعيد الخدري، فقال:
~~"هل عندك من سدر أغسل به رأسي؛ فإن اليوم الجمعة". قال: نعم، فأخرج له سدرا
~~وخرج معه إلى البصة، فغسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه وصب غسالة
~~رأسه ومزاقة شعره في البصة.
# قلت: وهذه البئر قريبة من البقيع على طريق المار إلى قباء وهي بين نخل،
~~وقد هدمها السيل وطمها، وفيها ماء أخضر ووقفت على قفها وذرعت طولها فكان
~~أحد عشر ذراعا منها ذراعان ماء، وعرضها تسعة أذرع وهي مبنية بالحجارة ولون
~~مائها إذا انفصل منها أبيض وطعمه حلو إلا أن الأجون غلب عليه، وذكر لي
~~الثقة أن أهل المدينة كانوا يستقون منها قبل أن يطمها السيل.
# ثم بئر رومة:
# روى أهل السير: أن تبعا لما قدم المدينة نزل بقباء واحتفر البئر الذي
~~يقال لها: بئر الملك، وبه سميت، فاستوبئ ماؤها، فدخلت عليه امرأة من بني
~~زريق من اليهود اسمها PageV02P406
# فكيهة، فشكا إليها وباء بئره، فانطلقت فأخذت حمارين واستقت له من ماء
~~رومة1 ثم جاءته فشربه، فقال: زيدينا من هذا الماء.
# وكتبت إلي عفيفة الأصبهانية أن أبا علي الحداد أخبرها بخطه عن أبي نعيم
~~قال: كتب إلى جعفر الملدي أن أبا يزيد المخزومي أخبره عن الزبير بن بكار عن
~~محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة عن إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة أن رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نعم الحفيرة حفيرة المدني"؛ يعني رومة،
~~فلما سمع بذلك عثمان بن عفان ابتاع نصفها بمائة بكرة، وتصدق بها فجعل الناس
~~يستقون منها فلما رأى صاحبها أن قد امتنع منه ما كان يصيب عليها باع من
~~عثمان النصف الثاني بشيء يسير فتصدق بها كلها.
# وروى البخاري في الصحيح من حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حيث حوصر
~~أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي -صلى الله عليه
~~وسلم- ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حفر رومة
~~فله الجنة؟ " فحفرتها، ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
~~قال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة؟ " فجهزتهم، قال: فصدقوه.
# قلت: وهذه البئر اليوم بعيدة عن المدينة جدا في براح واسع من الأرض وطيء،
~~وعندها بناء من حجارة خراب قيل إنه كان ديرا ليهود والله أعلم، وحولها
~~مزارع وآبار وأرضها رملة، وقد انتقضت خرزتها وأعلامها إلا أنها بئر مليحة
~~جدا مبنية بالحجارة الموجهة، وذرعتها فكان طولها ثمانية عشر ذراعا، منها
~~ذراعان ماء وباقيها مطموم بالرمل الذي تسفيه الرياح فيها، وعرضها ثمانية
~~أذرع وماؤها صاف وطمه حلو إلا أن الأجون غلب عليه، قلت: واعلم أن هذه
~~الآبار قد يزيد وماؤها في الأزمان عما ذكرنا وقد ينقص وربما بقي منها ما
~~كان مطموما2. PageV02P407
# ذكر عين النبي -صلى الله عليه وسلم:
# أنبأنا يحيى بن أسعد عن الحسن بن أحمد عن أبي نعيم عن جعفر بن محمد حدثنا
~~محمد بن عبد الرحمن حدثنا الزبير حدثنا محمد بن الحسن عن موسى بن إبراهيم
~~بن بشير عن طلحة بن خراش قال: كانوا أيام الخندق يخرجون برسول الله -صلى
~~الله عليه وسلم- ويخافون البيات، فيدخلون به كهف بني حرام فيبين فيه حتى
~~إذا أصبح هبط، قال: ونقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العينية التي
~~عند الكهف فلم تزل تجري حتى اليوم، قلت: وهذه العين في ظاهر المدينة وعليها
~~بناء وهي مقابلة المصلى.
# PageV02P408
### | الباب الثامن: في ذكر جبل أحد وفضله وفضل الشهداء به
# روى البخاري في الصحيح من حديث أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- طلع له أحد فقال: هذا جبل يحبنا ونحبه، قال أبو عمر بن عبد البر: في
~~معنى هذا الحديث يحتمل أن الله خلق فيه الروح، فأحب النبي -صلى الله عليه
~~وسلم، وقيل: يحمل على المجاز. أخبرنا أبو غالب محمد بن المبارك الكاتب وعبد
~~العزيز بن أحمد الناقد قالا: أنبأنا محمد بن عمر الفقيه أنبأنا جابر بن
~~ياسين أنبأنا عمر بن أحمد المقري حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا
~~إسحاق حدثنا عبد الله بن جعفر حدثني أبو حازم عن سهل قال: قال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "أحد ركن من أركان الجنة"1.
# وكتب إلى أبي محمد بن أبي القاسم الحافظ أن عبد الرحمن بن أبي الحسن
~~أخبره قال: أنبأنا سهل بن بشر أنبأنا أبو الحسن بن منير أنبأنا أبو طاهر
~~محمد بن عبد الله الذهلي حدثنا موسى بن هارون حدثنا يعقوب حدثنا عبد العزيز
~~بن محمد عن طلحة بن خراش بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك قال: قال رسول
~~الله -صلى الله عليه وسلم: "خرج موسى وهارون عليهما السلام حاجين أو
~~معتمرين، فلما كانا بالمدينة مرض هارون فثقل، فخاف عليه موسى اليهود، فدخل
~~به أحدا فمات فدفنه فيه"2.
# وروي عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لما تجلى الله تعالى
~~لجبل طور سينا تشظى منه ست شظايا فنزلت مكة، فكان: حراء وثبير وثور،
~~وبالمدينة: أحد وورقان وعير"، قلت: فأحد معروف وعير مقابله والمدينة بينهما
~~وورقان عند شعب علي رضي الله عنه.
# قلت: وكانت قريش قد جاءت من مكة لحرب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولقوه
~~في يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة عند جبل أحد، وكان بينهم من
~~القتال ما أكرم PageV02P408
# الله به من أكرم من المسلمين بالشهادة بين يدي رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- وخلص العدو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فذب بالحجارة حتى وقع
~~لشقه فانكسرت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته ، وكان ذلك كرامة له -صلى الله
~~عليه وسلم، ولأصحابه الذين استشهدوا بين يديه وكانوا سبعين رجلا: حمزة بن
~~عبد المطلب، وعبد الله بن جحش، ومصعب بن عمير، وشماس بن عثمان، فهؤلاء
~~الأربعة من المهاجرين، ومن الأنصار: عمر بن معاذ بن النعمان، والحارث بن
~~أنس بن رافع، وعمارة بن زياد بن السكن، وسلمة بن ثابت بن قيس، وعمرو بن
~~ثابت بن وقش، وأبو قيس ثابت، ورفاعة بن وقش، وحسيل بن ثابت، وهو اليمان أبو
~~حذيفة، وصيفي بن قبطي، وعباد بن سهل، وخباب بن قبطي، والحارث بن أوس بن
~~هانئ، وإياس بن أوس بن عتيك، وعبيد بن التيهان، ويقال: عتيك وحبيب بن زيد
~~بن قتم، وزيد بن حاطب بن أمية بن رافع، وأبو سفيان بن الحارث بن قيس بن
~~زيد، وأنيس بن قتادة، وحنظلة بن أبي عامر بن صيفي، وأبو حبة بن عمرو بن
~~ثابت أخو سعيد بن حثمة لأمه، وعبيد الله بن جبير بن النعمان، وخيثمة أبو
~~سعد بن خيثمة، وعبد الله بن سلمة، وسبيع بن حاطب بن الحارث، وعمرو بن قيس
~~بن زيد وابنه قيس، وثابت بن عمرو بن زيد، وعامر بن مخلد، وأبو هبيرة بن
~~الحارث بن علقمة، وعمرو بن مطرف بن علقمة، وأوس بن ثابت بن المنذر أخو حسان
~~بن ثابت، وأنس بن النضر، وقيس بن مجلد، وكيسان عبد لبني النجار، وسليم بن
~~الحارث، ونعمان بن عبد عمرو، وخارجة بن زيد، وسعد بن الربيع، وأنس بن
~~الأرقم بن زيد، ومالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري، وسعيد بن سويد بن قيس
~~وعتبة بن ربيع بن رافع، وثعلبة بن سعد بن مالك، وثقيف بن قرة، وعبد الله بن
~~عمرو بن وهب، وضمرة حليف لبني طريف من جهينة، ونوفل بن عبد الله، وعباس بن
~~عبادة، ونعمان بن مالك بن ثعلبة، والمجذر بن زياد، وعبادة بن الحسحاس،
~~ورفاعة بن عمرو وعبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح، وابنه خلاد،
~~وأبو أيمن مولاه وعنترة بن عمرو بن حديدة ومولاة عنيزة ، وسهل بن قيس بن أبي
~~كعب، وذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان ومالك بن نميلة، والحارث
~~بن عدي بن خرشة، ومالك بن إياس، وإياس بن عدي، وعمرو بن إياس.
# فهؤلاء الذين استشهدوا بين يديه -صلى الله عليه وسلم- وقاتلوا وقتلوا رضي
~~الله عنهم وأرضاهم أجمعين:
# فأما حمزة رضي الله عنه فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف عليه، وقد
~~مثل به جدع أنفه وأذناه وبقر بطنه عن كبده؛ فقال -صلى الله عليه وسلم:
~~"لولا أن تحزن صفية وتكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع
~~وحواصل الطير لن أصاب بمثلك أبدا، ما وقفت موقفا قط أغيظ لي من هذا"، ثم
~~قال: "جاءني جبريل وأخبرني أن حمزة مكتوب في السموات السبع: حمزة بن
# PageV02P409
# عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله"؛ فأقبلت صفية بنت عبد المطلب أخت حمزة
~~لأبيه ولأمه؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لابنها الزبير بن
~~العوام: "القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها"؛ فقال: يا أمه؛ رسول الله يأمرك
~~أن ترجعي، قالت: ولم؟ وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما
~~كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فجاء الزبير، فأخبره بذلك، فقال:
~~"خل سبيلها"، فأتته، فنظرت إليه، وصلت عليه، واسترجعت واستغفرت له، فأمر به
~~النبي -صلى الله عليه وسلم- فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر عليه سبعين ودفنه،
~~ولما رجع إلى المدينة سمع البكاء والنواح على القتلى، فذرفت عيناه -صلى
~~الله عليه وسلم- وبكى؛ ثم قال: "لكن حمزة لا بواكي له"، فجاء نساء بني عبد
~~الأشهل لما سمعوا ذلك، فبكين على عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن
~~على باب المسجد؛ فلما سمعهن خرج إليهن فقال: "ارجعن يرحمكن الله؛ فقد آسيتن
~~بأنفسكن".
# وأما عمر بن زياد بن السكن فإنه قاتل حتى أثبتته الجراحة؛ فقال رسول الله
~~-صلى الله عليه وسلم: "أدنوه مني"، فأدنوه منه، فوسده قدمه، فمات وخده على
~~قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنه .
# وأما عمرو بن ثابت بن وقش فإنه كان يأبى الإسلام فلما كان يوم أحدا بدا
~~له في الإسلام فأسلم وأخذ سيفه فغدا حتى دخل في عرض المسلمين فقاتل حتى
~~أثبتته الجراحة فرآه المسلمون بين القتلى، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو أحرب
~~على قومك أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام آمنت بالله ورسوله
~~وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقاتلت حتى
~~أصابني ما أصابني ثم مات في أيديهم فذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-
~~فقال: "إنه لمن أهل الجنة"، وكان أبو هريرة يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة
~~ولم يصل قط، فإذا لم تعرفه الناس قال: هو عمرو بن ثابت.
# وأما أبو ثابت بن وقش والحسيل وهو اليمان أبو حذيفة فإنهما كانا شيخين
~~كبيرين ارتفعا في الآطام مع النساء والصبيان لما خرج رسول الله -صلى الله
~~عليه وسلم- إلى أحد، فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك ما تنتظر؟ فوالله إنما
~~نحن عامة اليوم أو غد أفلا نحني أسيافنا ونلحق برسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- لعل الله يزرقنا الشهادة معه؟ فأخذا أسيافهما وخرجا حتى دخلا في
~~الناس فقاتلا حتى قتلا.
# وأما حنظلة ابن أبي عامر فإنه لما قتله المشركون قال رسول الله -صلى الله
~~عليه وسلم: "إن صاحبكم لتغسله الملائكة فسألوا أهله: ما شأنه؟ " فسئلت
~~صاحبته عنه فقالت: خرج وهو جنب حين سمع النداء، فقال رسول الله -صلى الله
~~عليه وسلم: "لذلك غسلته الملائكة".
# وأما أنس بن النضر فإنه جاء إلى المهاجرين والأنصار وقد ألقوا ما بأيديهم
~~فقال: ما يجلسكم؟، قالوا: قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الشيطان
~~قد نادي بذلك، وفقده المسلمون؛ لاختلاطهم فلم يعرفوه فقال لهم أنس: فما
~~تصنعون بالحياة بعده؛ قوموا فموتوا على ما
# PageV02P410
# مات عليه ثم قال: إني أجد ريح الجنة دون أحد، فمضى فاستقبل المشركين
~~وقاتل حتى قتل، ولما وجدوه في القتلى ما عرفوه حتى عرفته أخته بشامة أو
~~بنانة وفيه بضع وثمانون طعنة وضربة ورمية بسهم.
# وأما سعد بن الربيع فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "هل من رجل ينظر
~~إلى ما فعل سعد بن الربيع في الأحياء هو أم الأموات؟ " فقال رجل من
~~الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه
~~رمق قال: فقلت له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني أن أنظر في
~~الأحياء أنت أم الأموات، قال: أنا في الأموات، فبلغ رسول الله -صلى الله
~~عليه وسلم- عني السلام، وقل: إن سعد بن الربيع يقول له: جزاك الله عنا خير
~~ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع
~~يقول لكم: لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، قال: لم
~~أبرح حتى مات، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته.
# وأما عبد الله بن عمرو بن حرام فإنه روى البخاري في الصحيح أن ابنه جابرا
~~قال: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب النبي -صلى
~~الله عليه وسلم- ينهوني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تبكه ما زالت
~~الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه".
# وأما عمرو بن الجموح فإنه كان أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل
~~الأسد يشهدون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد، فلما كان يوم أحد
~~أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله قد عذرك، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم-
~~فقال: إني بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه؛ فوالله إني
~~لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
~~"أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك"، وقال لبنيه: "ما عليكم ألا تمنعوه
~~لعل الله يرزقه الشهادة"، فخرج معه فقتل بأحد، وروى البخاري في الصحيح أن
~~رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: أرأيت إن قتلت أين أنا؟ قال:
~~"في الجنة" فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل، وروى البخاري أيضا من حديث
~~جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بني الرجلين
~~من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: "أيهم أكثر أخذا للقرآن" فإذا أشير له
~~إلى أحد قدمه في اللحد، وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر
~~بدفنهم في دمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. وروى أبو هريرة عن النبي -صلى
~~الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم
~~القيامة وجرحه يدمى، اللون لون دم والريح ريح مسك"، وروى البخاري في صحيحه
~~من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أريت في
~~رؤياي أني هززت سيفي فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم
~~هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به يوم الفتح واجتماع
~~المؤمنين"، قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى على نبيه -صلى الله عليه وسلم-
~~من القرآن في يوم أحد ستين آية، من آل عمران فيها صفة
# PageV02P411
# ما كان من يومهم ذلك، وهي من قوله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك} إلى قوله:
~~{ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} [آل عمران: 121-179] إلى آخر
~~الآية.
# وروى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لما أصيب أخوانكم
~~بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها
~~وتأتي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن
~~مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا؛ لئلا يزهدوا في
~~الجهاد، ولا يلتووا عن الحرب، فقال الله تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم"، فأنزل
~~الله على رسوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} [آل عمران:
~~169] ... الآيات.
# وروى البخاري في الصحيح عن عقبة بن عامر: قام رسول الله -صلى الله عليه
~~وسلم- على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر،
~~فقال: "إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر